الجمعة، 22 أغسطس 2008

التعليم فى مصر وتصنيفاته - دراسة الجزء الاول

التعليم فى مصر له تصنيفات كثيرة جدا على عكس ماقد يتوقعه الكثيرون. فالناظر بدقة فى هذا الشأن يرى العجب العجاب ,و ما بين الطبقية المفرطة فى التعليم العا م- احدى هذه التصنيفات- وبين الثيوقراطية والعلمانية فى شقى التعليم المصرى ازهرى وعام - تصنيف اخر - وبين التغريب والتعريب - التصنيف الاخير - تلمح مظاهر تتسم بالعبثية تارة وبالتنظيم تارة اخرى .

فى هذا المقال سأحاو ل ان اعرض مظاهر كل نوع من هذه الانواع مقارنة بما يناظره من نوع منافس . وسأحاول ان اعرض الجوانب السلبية فى مكونات كل نوع واثرها على المتلقى ( الطالب) ثم اثرها على الحيز الاوسع والاشمل وهو المجتمع .









لنبدأ بالتصنيف الاول الذى ذكرناه فى المقدمة وهو التعليم مابين الخاص والعام والذى يبرز من وجهة نظرى البسيطة حدود ما كان يسمى بالطبقة الوسطى فى الماضى القريب , لعل التعليم الخاص هو الحد الفاصل الوحيد الذى تشهده العقول الان بين الطبقة الوسطى المحتضرة وبين الطبقة الدنيا .
فى اوائل الثمانينات كانت بداية موجة انشاء المدارس الخاصة فى القاهرة , وكان التحاق الطالب بمثل هذه المدارس حين ذاك مرتبط بالناحية الاقتصادية ولم يكن الامر ذو انتشار اخطبوطى مثل الان حيث كان التعليم العام هو السائد فى ذاك الوقت , بل كان الامر يندرج تحت بند الرفاهية الغير محبذة من قبل العامة , وكان الطالب فى هذه المدراس ينتمى الى اسر على وشك الصعود الى الطبقة العليا , ومقارنة بالمصروفات التى كان طالب المدارس العامة يدفعها سنويا كانت المصرفات التى تدفع فى المدارس الخاصة اعلى مما تتحمله معظم اسر الطبقة الوسطى فى ذاك الوقت , كما ان الدافع فى الحاق الابناء بمدارس خاصة لم يكن قويا فى وجود المدارس العامة وتقارب ما تقدمه من سلعة تعليمية مثلما يقدم فى المدارس الخاصة . تطور الامر بسرعة كبيرة بعد منتصف الثمانينات واندفع الكثيرون من اصحاب الاموال والاعمال وكل من ليس له علاقة بالشأن التعليمى فى مصر فى انشاء المدارس الخاصة وكان السبب الاساسى فى هذه الامر هو تردى حال المدارس العامة من حيث نوعية التعليم وتوافر الكوادر المؤهلة للقيام بها وتزايد خطير فى كثافة الفصول وصل الى حد تواجد مايزيد عن 70 طالب فى فصل واحد , مما جعل امر التفوق من خلال المدارس العامة امرا شديد الصعوبة , وهو الامر الذى تبحث عنه اسر الطبقة الوسطى - اقصد التفوق الدراسى - وكأنه طوق نجاه من اجل احداث حراك اجتماعى لها فى وقت اصبحت فيه هذه العملية اشد صعوبة من اى شيىء اخر .
وسريعا ايضا كانت فترة التسعينات ومن بعدها فترة الالفين فترة سيادة للتعليم الخاص فى مصر , وكانت الاسباب متشابهه كما فى فترة الثمانينات وان كانت الاسباب اشد قوة , فالتعليم العام ازداد تدهورا وترديا عن ذى قبل واصبحت العملية التعليمية تنحصر فى ظاهرة الدروس الخصوصية وما يستلزمها من تلقين واستظهار وتفريغ لمحتوى من المناهج وهو ما سنأتى على ذكره تباعا فى المقال , وادى ايضا الى اتجاه الطبقة الوسطى الى التعليم الخاص فى مصر تدنى وضئالة المصروفات المطلوبة منهم للالتحاق بهذه المدراس فلا يتعدى الامر اكثر من 1500 جنية مصرى سنويا فى اغلب المدراس الخاصة الشعبية او يقل فى بعض الاحيان - وان كانت قد حدثت زيادة كبيرة فى المصرفات بلغت 30% فى عام 2008 /2009 بسبب زيادة اسعار الوقود والزام المدراس الخاصة بدفع ضرائب تصل الى 20 % من صافى الربح السنوى وهو الامر الذى كانت تعفى منه المدراس الخاصة من قبل وكان يعد حافز لرجال الاعمال فى انشاء هذه المدارس -ووصل الامر ان اصبح التعليم الخاص فى مصر هو السائد والمسيطر بشكل فعلى فى المرحلتين الابتدائية والاعدادية اما المرحلة الثانوية فكان هناك تحفظ من قبل رجال الاعمال فى خوض تجربة التعليم الثانوى بكل مافيه من مخاطر كونه محط انظار المجتمع كله والحكومة بشكل خاص وهو الامر الغير مستحب لرأس المال .
اواخر التسعينات ومع تزايد الحاجة الى نوعية افضل من المدارس نشأت مدراس خاصة تخاطب الاسر ذات الدخل العالى والتى لا تنتمى بأى حال للطبقة الوسطى , ولعل ظهور هذه المدارس كان محدود فى الماضى لانها كان تخاطب أ بناءالساسة والمسئولين , الا ان تباين الفروق بين الطبقة العليا فى اواخر التسعينات والطبقة الوسطى ومع الزيادة السكانية زاد انشاء هذه المدارس , وتبلغ مصاريف بعض هذه المدارس اكثر من 15000 جنية مصرى سنويا غير ما يتبع العملية التعليمية من كتب وملابس ومصاريف نقل ...الخ ,وفى هذا المقال سنفرق بين ما المدارس الخاصة الشعبية والتى تخاطب اسر الطبقة الوسطى وبين المدراس الخاصة التى تخاطب اسر الطبقة العليا من المجتمع المصرى ثم سنضع النموذجين فى وجه المقارنة مع التعليم فى المدراس العامة الحكومية وسنتجاهل متعمدين التعليم فى المدراس التجريبية الحكومية لقلة انتشارها وتأثيرها وسيكون حديثنا عن الوضع الانى .


المدراس الخاصة الشعبية من سماتها قلة المساحة المخصصة للانشطة , وكثرة الفصول والابنية , لا يخرج الامر فى المدراس الخاصة الشعبية عن وجود ملعب صغير يستوعب بالكاد تواجد الطلاب فى الطابور الصباحى وتقسم الفسحة على مراحل على حسب المراحل التعليمية , لا تستغل معامل العلوم او الكومبيوتر او الوسائط المتعددة باى درجة فالعملية التعليمية تجرى داخل الفصول بالدرجة الاولى وليس خارجها , وعلى الرغم من وجود معامل الا ان الامر لا يخرج عن النطاق الشكلى الذى يستغل ايما استغلال فى عملية الدعاية لهذه المدارس, اما المدرس فى هذه المدراس فهو افضل حالا من مدرس التعليم العام حيث ان اغلب هذه المدارس تخضع مدرسيها الجدد لدورات تأهيلية تساعده على منح الطالب سلعة تعليمية معقولة نسبيا مقارنة بما يوجد فى المدراس العامة كما سيأتى ذكره , وان كان الامر ينصب على تلقين التلميذ وتأهيله لاجتياز الامتحان , اى ان العملية التعلمية تسير نحو الحفظ والاستظهار والحصول على اعلى الدرجات فقط دون وجود واقع فعلى لمخرجاتها , وغالبا ما يحاسب المدرس عن نتائجه نهاية العام الدراسى وعليه يتحدد استمراريته فى العمل ام لا , وهو الامر الذى يجعل مهمة المدرس الرئيسية تنحصر فى تلقين الطالب ما يجعله يحصل على درجات مرتفعة ان لم تكن نهائية خصوصا فى ظل زجزد نظام تقييم يخاطب مهارة التذكر فقط ولا يخاطب قدرة الطالب الاستيعابية او التحليلية فى طرح حلول لمشكلات مرتبطة بالواقع , ولعل الامر ايضا مرتبطا بأنفصال المنهج عن الواقع فالمعلومة تطرح فى المنهج مجردة خالية من جوانبها الواقعية التى تعطيها جانب حياتى لاغنى عنه , ولكى اوضح هذه النقطة اضرب لكم مثالين : من المفترض ان طالب السنة الرابعة الابتدائية يتعلم الاتجاهات الاصلية والثانوية فى مادة الدراسات الاجتماعية وعن طريق هذا الدرس من المفترض ان يتأهل الطالب فيستطيع ان يقرأ الخريطة وحده دون مساعدة فيصل الى مكان ما بأستخدام الخريطة , وهو ما لا يحدث بأى شكل من الاشكال , المثال الثانى : طالب اللغة الانجليزية يتلقى المئات من الحوارت الثنائية طيلة عمره الدراسى ومع ذلك لا يستطيع ان يدير حوار مع شخص اجنبى يلقاه مصادفة فى الطريق ذلك لانه لم يمارس المحتوى التعليمى فى حيز الواقع بشكل فعلى . والمدرس فى المدراس الخاصة الشعبية فى اغلب الاحيان مدرس سلطوى و يعتبر نفسه نصف اله , لايقبل نقاش مع تلميذه بأى حال من الاحوال ولذلك تجد ان العملية التعلمية احادية الاتجاه تسير من المدرس الى المتلقى دون تبادل للاراء ودون تفاعل حقيقى بين طرفى التعلم , وقد يمارس البعض منهم طقوسا شاذة على طلابه كالقهر والاذلال والضرب فى احيان كثيرة اسباب ذلك متعددة منها اجبار التلاميذ على الدروس الخصوصية لتدنى الاجور فى هذه المدراس - يصل راتب المدرس المستجد فى هذه المدراس الى 250 جنية مصرى - او لاجبار الطلاب على حفظ واستظهار المعلومة من اجل تحقيق نتيجة ترضى ادراة المدرسة ومن ثم ترضى ولى الامر .
النتاج الاساسى والمحصلة الرئيسية من هذا النوع هو تفريخ جيل من اشباه المتعلمين خالى من اى مقوم من مقومات الشخصية الرشيدة , طالب المدراس الخاصة الشعبية يخرج منها بشخصية العبد يؤمر فيطيع , غير قادر على طرح حل ابداعى لما يواجهه من مشكلات فى الحياة لانه بمنتهى البساطة لم يتدرب على مواجهة مثل هذه المشكلات , وهو طالب يركز على المعلوماتية بشكل خاص بما يصاحبها من تجريد للمعلومة والنظر لها بشكل منفصل غير مرتبط او شامل لغيرها من المعلومات فدمج المعلومة التى يتلقاها من مادة الرياضيات مع المعلومة التى يتلقاها فى مادة العلوم او الجغرافيا شيىء بعيد المنال على عقله , وهو طالب مقود وليس بقائد غير قادر على اتخاذ قرار بشكل مستقل دون وصاية خارجية , وغالبا غير متزن نفسيا من جراء الممارسات الاقصائية التى مورست عليه فى المدرسة ومن قبل مدرسين سلطويين ولن ابالغ ان قلت مرضى نفسيين

اما بالنسبة للمدراس التى تخاطب الطبقة العليا والتى سنستعيض عن هذا الاسم باسم االمدارس الراقية فالامر على النقيض تماما مما يجرى فى المدراس الخاصة الشعبية.
المدرسة الراقية من سماتها المساحة الكبيرة , فيوجد بها ملاعب لمختلف الانشطة الرياضية ومعامل مجهزة تجهيز كامل وفصول متسعة لا يتعدى عدد طلابها الثلاثين بأى حال من الاحوال , والمدرسة تحتوى على مكان خاص للمدرسين على خلاف المدارس الخاصة الشعبية , وعلى النقيض تماما من المدراس الخاصة الشعبية فالمدرس هنا يتخلى عن اى سلطة امام تلاميذه بل لن نبالغ ان قلنا ان سلطة الطالب اقوى بكثير من سلطة المدرس ,ذلك ان الطالب فى هذه المدارس يتعامل بحيثية ولى امره وكثيرا جدا ما يكون استمرارية عمل المدرس فى المدرسة مرتبطا برضى التلميذ عنه , ويكفى فقط ان ينقم الطالب على معلمه او ان يغضب منه كى يذهب بلا رجعة من مكان عمله , وعليه فالمدرس لا يمارس اى سلطة على الطالب وغير مسموح له تحت اى ظرف بمعاقبة الطالب ولو حتى لفظا , والتركيز على الدرجة النهائية او حتى المرتفعة غير مطلوب , فقط كل المطلوب هو ان يقضى الطالب وقته بلا منغصات او قلق, والطالب هو الاقوى كما ذكرنا من قبل ولعل الحادثة المشهورة من عامين والتى حدثت فى احدى هذه المدارس خير دليل على انعدام شخصية المدرس واذلاله خير دليل على ذلك فالذى حدث ان مدرسا كان يرتدى بنطال بدلة رياضية واثناء اعطاءه ظهره للطلاب قام احدهم بشد بنطاله لاسفل بسرعة وعلى نحو مفاجىء فى الوقت الذى كان يصوره اخر بتليفونه المحمول فما كان من المدرس المسكين الا ان جرى خلف الطالب وكانت النتيجة ان فصل المدرس عن عمله ليس لان ماجرى قد جرى فى المدرسة ولكن لانه جرى وراء الطالب , وهناك حوادث كثيرة جدا لا يسعنا ذكرها حدثت وتحدث فى فصول البنات فى هذه المدارس , منها ان ارادت فتاة ان تتسبب فى فصل مدرسها لانه كما ادعت لى حين كلمتها فى هذا الامر ( مدرس كشر ) فقامت بحل زرارين من قميصها واندفعت فى احضان المدرس امام زملائها ثم بكت وادعت انه كان يريد تقبليها , الكثير من المهازل تجرى فى هذه المدراس لغياب وسيلة رادعة للعقاب ولا اتحدث عن العقاب البدنى بالطبع ولكن ما اريد ان اقوله ان كون الطالب يتعامل بحيثية والده رجل الاعمال او المسئول الكبير فى نظام تعليمى لا يتبنى اى وسيلة عقابية يجعل العملية التعليمية تجسيدا صارخا لمستويات البلطجة التى تتأصل فى وجدان طالب المدراس الراقية .
والمحصلة الرئيسية من هذه النوعية من التعليم هى تفريخ جيل ينظر نظرة دونية للاخرين , يحتقر اى سلطة من اى نوع , صعب السيطرة عليه او حتى اقناعه بوجهة نظر اخرى تخالفه , جيل مارس البلطجة من صغره وسيجيد ممارستها حينما يخرج للحياة, جيل يعلم ان حدود الورقة المالية حدود غير نهائية , جيل اتكالى على اولياء اموره . اما عن المستوى التعليمى لهذه الفئة من الطلاب فحدث ولا حرج , اذ ان الامر لايعدو اكثر من شهادة رسمية يأخدها الطالب من مدرسته وهو يعلم تمام العلم ان حصوله عليها منوط بقدرة اهله المادية وليس على اجتهاده .

فى الجزء القادم سنناقش ما يتم فى مدارس الدولة ومكونات التعليم بها .

الخميس، 14 أغسطس 2008

دمعة على جثمان الحرية لاحمد مطر

انا لا اكتب الاشعار فالاشعار تكتبنى ,
اريد الصمت كى احيا , ولكن الذى ألقاه ينطقنى,
ولا القى سوى حزن , على حزن , على حزن,
أأكتب اننى حى على كفنى ؟
أأكتب اننى حر , وحتى الحرف يرسف بالعبودية ؟
لقد شيعت فاتنة تسمى فى بلادالعرب تخريبا ,
وارهابا ,
وطعنا فى القوانين الالهية ,
ولكن اسمها والله ...........,
ولكن اسمها فى الاصل حرية

الاثنين، 11 أغسطس 2008

مات الحكيم

سكن الحكيم مساكن الاهات
ظن الحكيم كلامه قد مات
صار الحكيم يردد الكلمات
صاغ الحكيم قصيدة ومات



وحيد جهنم

الالم

ايها الالم الا تنتهى
ايها الالم الا تنتظر
اريد ان اصرخ
لا تصادر صرخاتى واهاتى
دعنى اتألم
لا تسلبنى حقى فى التعبير عنك
فأن فعلت .... فأنا لست بانسان
تضحك
تستهزىء بى
وسوطك يصبغ ظهرى بقهر السنين
لا تنفعل يا المى فلست سوى جسد
غابت عنه الروح
لن تجنى شيئا سوى صوت سوطك القاسى
تطرب لانغامه على جلدى وترقص
ايها الالم لا اريد الا ان اصرخ
لا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فليكن اعطنى حق البكاء فى صمت
دع عيناى ترويان وجنتى
دع دمعاتى تنزل من برك الماء الاسن
حيث مات الاحساس
وحيث تبلد الفكر
وحيث صارت الحرية لا تدركها الاحلام
لا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فليكن دع قلبى يخفق للمرجو
دع قلبى يتحدث فى همس العذارى
دعه يناجى من جالت بخاطره يوما
لا تسلبه هذا الحق
ااااااااااااااااااه يا المى اه
ايها الالم اسمعها منى الان
حتى الشفقة
لا اريدها منك




وحيد جهنم

جويدة هذى بلاد لم تعد كبلادى


كم عشت اسأل :أين وجه بلادى؟

أين النخيل وأين دفء الوادى ؟

لا شيىء يبدو فى السماء امامنا

غير الظلام وصورة الجلاد

هو لا يغيب عن العيون كأنه

قدر كيوم البعث والميلاد

قد عشت اصرخ بينكم أنادى

أبنى القصور من تلال رماد

أهفو لأرض لا تساوم فرحتى

لا تستبيح كرامتى ..وعنادى

أشتاق اطفالا كحبات الندى

يتراقصون مع الصباح النادى

أهفو لأيام توارى سحرها

صخب الجياد ..وفرحة الأعياد

اشتقت يوما ان تعود بلادى

غابت وغبنا وأنتهت ببعادى

فى كل نجم ضل حلم ضائع

وسحابة لبست ثياب حداد

وعلى المدى اسراب طير راحل

نسى الغناء فصار سرب جراد

هذى بلادى تاجرت فى أ رضها
وتفرقت شيعا بكل مزاد
لم يبقى من صخب الجياد سوى.... الأسى
تاريخ هذه الأرض بعض جياد
فى كل ركن فى ربوع الوادى
تبدو أمامى صورة الجلاد
لمحوه من زمن يضاجع ارضها
حملت سفاحا فاستباح الوادى
لم يبقى غير صراخ امس راحل
ومقابر سأمت من الاجداد
وعصابة سرقت نزيف عيوننا
بالقهر ...والتدليس ...والأحقاد
ماعاد فيها ضوء نجم شارد
ماعاد فيها صوت طير شادى
تمضى بنا الاحزان ساخرة بنا
وتزورنا دوما بلا ميعاد
شيىء تكسر فى عيونى بعدما
ضاق الزمان بثورتى وعنادى
احببتها
احببتها ... حتى الثمالة بينما
باعت صباها الغض للاوغاد
لم يبق فيها غير صبح كاذب
وصراخ ارض فى لظى استعباد
لا تسألونى عن دموع بلادى
عن حزنها فى لحظة استشهاد
فى كل شبر من ثراها صرخة
كانت تهرول خلفنا وتنادى
الافق يصغر والسماء كئيبة
خلف الغيوم ارى جبال سواد
تتلاطم الامواج فوق روؤسنا
والريح تلقى للصخور عتاد
نامت على الافق البعيد ملامح
وتجمدت بين الصقيع ايادى
ورفعت كفى قد يرانى عابر
فرأيت امى فى ثياب حداد
أجسادنا كانت تعانق بعضها
كوداع احباب بلا ميعاد
البحر لم يرحم براءة عمرنا
تتزاحم الاجساد فى الاجساد
حتى الشهادة راوغتنى لحظة
واستيقظت فجرا اضاء فؤادى
هذا قميصى فيه وجه بنيتى
ودعاء امى .. كيس ملح .. زادى
ردوا الى أمى القميص فقد رأت
مالا ارى من غربتى ومرادى
وطن بخيل باعنى فى غفلة
حين اشترته عصابة الافساد
شاهدت من خلف الحدود مواكبا
للجوع تصرخ فى حمى الاسياد
كانت حشود الموت تمرح حولنا
والعمر يبكى والحنين ينادى
مابين عمر .. فر منى هاربا
وحكاية يزهز بها اولادى
عن عاشق هجر البلاد واهلها
ومضى وراء المال والامجاد
كل الحكاية انها ضاقت بنا
واستسلمت للص والقواد
فى لحظة سكن الوجود
تناثرت حوالى مرايا الموت والميلاد
قد كان اخر ما لمحت على المدى
والنبض يخبو .... صورة الجلاد
قد كان يضحك والعصابة حوله
وعلى امتداد النهر يبكى الوادى
وصرخت والكلامات تهرب من فمى
هذى البلاد .... لم تعد كبلادى



بدون عنوان

ليست القضية ان حسنى عبد ربه لم يذهب الى الاهلى , وليست القضية ان الاهلى قرر حرمان الجماهير من المتعة الوحيدة التى يتعاطونها فى الايام الغبرة هذى , وليست القضيةان ريكاردو ضرب جمال حمزة , او ان شوبير يشتم فى الزمالك وخالد الغندور يشتم فى الاهلى , القضية هى ان كل هذا كله - اقصد شأن كرة القدم فى مصر - يشغل الراى العام فى مصر بشكل يجعل قضايا مثل الحريات والحالة الاقتصادية المتردية و قضية الاحتكارات ..... الخ , يجعلها قضايا هامشية ليست على قائمة اهتمامات الشعب. اصبحنا ننظر الى مشاكلنا بنفس النظرة التى نرى بها قضايا ومشاكل موزمبيق, لا يعنينا الامر كثيرا , سلب منا انتمائنا للشأن المصرى تدريجيا حتى اصبحنا غرباء عن مشاكلنا وهمومنا. رغم هذا ارى ارهاصات ثورة قادمة من بعيد ثورة تغيير , ثورة عبيد وشعب ظن حكامه انهم فقدو الحياة , ثورة اشبة بالثورة الفرنسية تدمر الاخضر واليابس الى ان يستقيم الوضع من جديد , لعله امل ولعله حلم ننسجه الان بخيالنا ونرويه يوميا بمظاهر الاستبداد والظلم , قد يتحقق غدا وقد يتحقق بعد عام او مائة عام ولكن التغيير قادم لامحالة فاستعدوا يااولى الالباب .

الأربعاء، 6 أغسطس 2008

عندما تقتلك الموسيقى ثم تبعثك حيا مرة اخرى

رابط http://www.youtube.com/watch?v=47VEft4FhBo

تنويه

اعتذر مقدما عن فترة الغياب القادمة من هذا الواقع الافتراضى اللذيذ

الثلاثاء، 5 أغسطس 2008

رواية الجزء الثامن

للمقهى تأثير خاص على حسن , ودائما ما يبرهن على حبه للمقهى بساعات طوال يقضيها عليه , مقهى الكوثر , يعلم من يجلس عليه جيدا , درسهم وخبرهم حتى صاروا كتابا فى ناظريه , له مكان معروف على هذا المقهى , فى احد اركانه لايراه رواد المقهى ويراهم هو بكل يسر , خبره الجرسون منذ امد بعيد , ما ان يجلس على كرسيه حتى يأتيه بكوب الشاى بالنعناع , وبعده فنجان قهوة مظبوط , دون ان يطلب , وكثيرا ماكان حسن يصادف احدهم فى مكانه المعتاد فيقوم الجرسون بالواجب ويطلب منه ان يغير مكانه , فهذا مكان الباشا كما يقول , كان لحسن فى هذا المقهى حيثية استمدها من تأثير البقشيش الذى ينفحه للجرسون كلما اتى عليها , وعادة ماكان البقشيش مغرى للدرجة التى تجعل الرجل يهلل له ويكبر فى كل مرة , لكن انعزال حسن عن رواد المقهى المعتادين لم يمنع قلة منهم ان تتطفل عليه وتقتحم خلواته المختارة فى جلساته , قاطعيين حبل احلامه الممتعة غير ابهين لحنقه وغير مكترثين لردوده المقتضبة , فى مرة من المرات جلس بجواره شحاذ , او هكذا ظن ,
" كوب شاى يا باشا "
" شكرا "
" لا انا اريد منك كوبا من الشاى يا باشا "
" تريد كوب شاى "
" نعم طمعا فيك يا باشا "
" كلا "
" يا باشا انا طمعان فى كرمك "
" كلا "
كوب الشاى لم يكن يعنى لحسن شيئا , ولكنه رفض ان يمنح الشحاذ مطلبه البسيط , لعل الرجل استفزه بلفظة " طمعان", ولعل حسن كره من الرجل اقتحامه خلوته , كوب من الشاى لا يعنى له الكثير ومع ذلك ابى ان يمنحه للرجل , يكره ان يعطى بأمر من احد ربما ,




فى تلك الليلة وبعد ان غادر شقته ذهب الى هذا المقهى , حاله يرثى لها , عكازه الجديد زاد على عرجه عرجا , له زمن لم يأتى الى هنا , استقبله الجرسون بترحاب ولم تخلو نظراته من تعجب لهيئته , جلس وهو خاوى الذهن , وهى حالة نادرة عند امثال حسن , ان يخلو ذهنه بهذا الشكل فهذا امر عجاب , انهى كوب الشاى وجاء دور القهوة , من بعيد اقترب , شاهده مرات عديدة يجلس وحده مثله , يظنه فى الستين من عمره , نظارته السوداء منحته مظهرا قدسيا مهيبا , له لحية بيضاء تتخللها شعيرات سوداء زادته مهابه , مهندم دائما , من المؤكد ان هناك من يساعده فى اختيار ملابسه وارتدائها على الاقل , لا مكان له فى وسط المقهى , يقوده الجرسون الى الكرسى الوحيد الشاغر , جلس بجواره , نغم النرجيلة له وقع محبب على مسامع حسن , دخان كثيف يهرب من شدقيه وانفه ويغلف حسن
" هل تعلم الانسان من اغبى ما خلق ربك "
وجه الكلام اليه مباشرة وبدون مقدمات , كيف علم ان هناك شخصا يجلس بجواره , تعجب حسن
" ها "
" كما اقول لك يا استاذ , هذا الانسان كائن غبى لا يستحق اى عناء لمواساته حتى "
" كيف "
" انا اقول لك كيف يا سيدى , كلنا نكذب اليس كذلك ؟"
" بلى "
" الانسان يكذب على من حوله ولا يكتفى بذلك فقط بل يكذب على نفسه ايضا "
" يكذب على نفسه !"
" نعم بل ويزيد الطين بله فيصدق كذبه , وحين يصدق الانسان كذبه يا بنى تتوارى كل حقيقة"
" كيف يكذب الانسان على نفسه ؟"
" انا اقول لك , اليوم مثلا فى التلفزيون سمعت احدى المذيعات الغبيات , اولئك الذين اذا سمعتهم انقلبت معدتك رأسا على عقب , انا اسميهم المذيعات المتهتهات , المهم كانت الاخت الفاضلة تتحدث عن مصر وجمال الطبيعة فى مصر وكيف ان السياح ينتظرون العام كى يأتو الينا وينعموا بطقس مصر الخلاب المعتدل وكيف ان فرص الاستثمار فى مصر فى ازدياد مستمر والناس تشعر برغد العيش وبأثر الاصلاح الاقتصادى ... الخ الخ الخ وظلت المعتوهه تكيل لنا من الاكاذيب مالاقبل لنا بتحمله , المرأة تكذب وانا وانت نعلم انها تكذب لكن الواقع انها لا تكذب على السياح او الاجانب بل انها تكذب علينا نحن , وهذا يابنى هو ان تكذب على نفسك , والامر ليس كذلك فقط فانت تشعر ان المرأة تصدق كل حرف تنطق به وتتحدث وكان ما تقوله هو الحقيقة الوحيدة المطلقة , وهذا يا بنى ان تصدق كذبك وتجعله حقيقتك "
" لا اعلم كيف يصدق المرء كذبه "
" اقول لك يا اخ ....؟!!!"
" حسن "
" عاشت الاسامى يا ستاذ حسن "
" تسلم "
" انا اقول لك كيف يصدق الانسان كذبه "
" نعم "
" عندما يهرب الانسان من الصدق او الحقيقة ويكذب على نفسه مرة ويستلذ كذبته تلك فتأكد ان المرة التاليه ستصبح كذبته حقيقة له وحده "
" ها "
استمر الرجل يتحدث وحسن ينظر اليه ببلاهة ولا يدرك ما يحادثه الرجل عنه , انصرف الرجل , وانصرف حسن الى بيته القديم , وقضى ليله نائما من فرط تعبه وارهاقه , لم تداهمه الكوابيس , فى اليوم التالى عصرا ذهب الى بيت هناء وسأل عنهم وانصرف وعاود مرة اخرى فى المساء ولكن قيل لهم انهم بالمشفى القريب , ستضع هناء حملها مبكرا ذهب الى المشفى وجدهم هناك يبكون , هناء ماتت وهى تضع وليده , انجبت له ذكرا يحمل ملامحه حمله بين يديه , نظر الى الجسد المسجى امامه وبكى , وفى عينى طفله رأى طريق مستو , لا ينعرج على سائريه , ولمح هناك صدقا فى نهايته يشع ضياء فينير الطريق , لقد فهم حسن الان كيف يكذب المرء على نفسه وكيف يصدق كذبه , وحينما خرج من المشفى علا صوته قائلا
" انا اعرج "
ظل يرددها مررا حتى التف الناس حوله يصفقون على ايديهم شفقة وحزنا , وفى الطريق الى منزله ايقن ان العرج ليس بقدمه وانما فى الطريق , ولكى يستو الطريق على السائر ان يكون صادقا مع حقيقته ,,

انتهت
وحيد جهنم

الاثنين، 4 أغسطس 2008

صلاة للموتى ------ للرائع نجيب سرور


كم صلينا يا قبرتى للأموات :
" رب الموتى أوزوريس
ارحم موتانا يا رب
فلكم ناحوا لمـا مـت
ولكم فرحوا لما قــمـت
بأسم دموعك يا إيزيس
بأسم شبابك يا حوريس
أرحم موتانا يا رب ..
كم كانوا يخشون الغرب !
ضميهم يا أرض إليك
كم رقصوا يا أرض عليك
كم قطفوا اللوتس والبردى من كفيك
كم عشقوا .. غنوا للحب
كم صلوا فى عيد الخصب
كونى يا أرض وشاحا فوق الموتى
كونى يا أرض جناحا فوق الموتى
كونى يا أرض سلاما فوق الموتى
ما أقسى الأرض على الموتى ..
يا قبرتى .. ما أرحمها بالأحياء !
وإذا الحارس يزعق " قوموا يا أموات ! "
فتل الشارب .. زمجر .. حمر من عينيه
قلنا نقفل بابا تأتى منه الريح !
قمنا نبطىء فى الخطوات ..
ثم وقفنا .. قالت وهى تصيح :
- هل تسمع دقات الساعة ؟
- ماذا تلهمك الدقات
؟

روايه الجزء السابع

قضى ليلته فى طقوسه الشاذة المعتادة , فى الصباح ذهب الى عمله وعاد الى منزله القديم , لم يرد ان يراه احد يدخل البيت , اخذ حماما ثم غادر الى بيت اهل هناء , على بعد خطوات من منزله , فتحت له امها الباب , نظرت اليه فى استغراب وكأنها تشاهد رجل فضاء يسير ببذته الفضية وسط الناس ,
" السلام عليكم "
" وعليكم السلام , لماذا تذكرتنا ؟"
" اين هناء ؟ "
" تفضل بالداخل "
خطى داخل البيت, نفس رائحة البخور القميئة التى استنشقها اول مرة جاء فيها يطلبها هو وامه , لا يدرى هل حقا يرى الناس فى رائحة البخور عطرا , دائما ما تخنقه هذه الروائح الترابية , جال بنظره فى ارجاء المكان لم يجدها تصول وتجول كعادتها حين تكون فى اى مكان ,
" اين زوجتى ؟"
" زوجتك !! عجبا كنت اظنك نسيت انها زوجتك "
" اين هى؟ اجيبينى "
" مريضة , فى الفراش "
" مريضة !!!! منذ متى ؟"
" منذ امد طويل , حملها صعب جدا وصحتها فى النازل "
" اريد ان اراها "
" تعال معى , تفضل فى هذه الغرفة "
دخل حسن الغرفة , رأها مسجية , طريحة الفراش , ياالله .... كل هذه القوة ترقد لاحول لها ولا قوة , كانت هناء ترقد فى سلام ولاول مرة لا يسمع لها شخيرا , وجهها ذبل من المرض , لم يشعر بشفقة عليها , قاسى القلب هذا الفتى , لماذا لا يتحرك قلبه لهذا المنظر ؟ هل هاتان العينان نزع منهما البصر والبصيرة ؟ تعاقب الالم على المرء يجعل القلب كالحجر الصوان , لا يشعر ولا يحس بالاخرين , وانسان مثل حسن عاركته الالام مررا , حتى صار ت روحه لا تعى معنى الالم ولا كنهه,بطنها كبيرة من اثر الحمل , لا يدرى هل يتمنى موتها حقا . هى لم تفعل فيه شيئا , لا يذكر مرة انها اهانته عن عمد بل كانت تحيا فقط كالدابة الاليف ليس لها رأى او صوت , نظر مطولا اليها , ثم غادر وسط دهشة امها , فيما اتى وفيما ذهب لا يدرى ,




عاد الى ماكان عليه من قبل وكأن ما كان يظنه حنينا الى هناء كان شيئا خرافيا , لا واقع له . سمع صوت عايدة قريبا , انصت للصوت , تتحدث فى التليفون , لماذا تتحدث فى المطبخ ؟ , صوتها منخفض ليس كعادتها ولكن قربها من النافذة جعله يلتقط بعض الكلمات ,
" حسنا غدا فى السابعة تماما , "
اغلقت السماعة واختفت فى باطن شقتها , ستقابله غدا فى السابعة , اجتاحته نفس الحالة من التوتر حينما رأه فى المصلحة يحادثها , اين ستقابله ؟ اللعنة على القلق , هل تحبه ؟ هل يحبها ؟ ماذا سيفعلان ؟ قضى ليلته ساهرا طوال الليل , حتى احلامه هربت منه , لم يستطع ان يصوغ احداها كعادته من شدة توتره , الى هذا الحد يريدها , ذهب لعمله بعينين منتفختين حمراوتين من جراء ليلته النابغية الماضية , ظل ينظر لها طيلة الوقت , اليوم تبدو اكثر مرحا وبهجة , تتحرك كثيرا كالطاووس فى خيلائه , تتضاحك مع الناس , لا ليست هذه عادتها , اليوم مختلف عن اى يوم اخر , اليوم ستقابل فتاها , والله وحده اعلم بما سيحدث بينهما , ظل شارد الذهن طوال اليوم , اتخذ قرار ه فى لحظة .





فى السادسة نزل من شقته واوقف تاكسيا بالقرب من العمارة , لوح للسائق بمائتين جنية كى ينتظر ما شاء , نزلت فى السادسة والنصف واوقفت تاكسيا وانطلقت , تبعها حسن , لا تفلتها عيناه , الحق انه لم يسمع او يرى الا التاكسى الذى يقلها الى مجهول لا يعلمه , وصلت الى عمارة ونزلت ودخلتها واثقة وكأنها من سكانها , تبعها حسن الى الداخل , جاهد ان يكون سريعا كى يلمح رقم الطابق فى المصعد , لمحه بالكاد , رقم سبعة , اذا الوغد يسكن فى هذا الطابق , فى لحظة اتخذ قراره ايضا وصعد الى نفس الطابق , ما هذا التوتر الذى يكتنفه ؟ قلبه تتسارع دقاته على نحو مذهل , ماذا يريد ان يثبت لنفسه ؟ بالتأكيد لن تكون عيادة دكتور , انتظر قليلا , امامه اربع شقق اي منها دخلتها عايدة , لن يستطع ان يطرق على كل الابواب , اقترب من احداها , انصت قليلا , لم يسمع شيئا , باب اخر , لم يسمع ايضا , والثالث ثم الرابع كذلك , جاءته فكرة , صعد فى الطابق الذى يليه وانتظر على السلم , لينتظر , صوت انفتاح باب , مال بجسده ونظر , رجل عجوز , ليست هى , لينتظر , يكره الانتظار , ربما اخطأ فى الطابق , ربما صعدت على السلم واحد غيرها صعد الى الطابق السابع , ظل عقله يعمل على نفس الوتيرة حتى كاد ان يجن , صوت باب اخر , مال بجسده ونظر , ليست هى , ساعة ونصف او يزيد مرت عليه , من فرط اجهاده وتعبه جلس على درج السلم , ربما اخطأ , فلينزل الان , هم بالقيام , صوت باب , مال بجسده ونظر , راها هذه المرة , تقف على عتب الباب وبجوارها رجل , لم يكن هو نفس الشخص الذى رأه فى المصلحة , هذا اصلع وضخم الجسد , كان مرتديا ملابسه الداخلية , احتضنها وقبلها , نزلت عايدة واغلق الرجل الباب وظل حسن دقائق معدودة واقفا مكانه , وجهه الان يكاد يقطر دما من الاحمرار , عيناه تتثاقلان , تماسك حتى وصل الى المصعد وهبط , لم يستطع ان يفكر فى الامر طويلا , كل ما كان يريده فى هذه اللحظة هو ان يصل الى شقته , الله اعلم بما يدور فى خبايا نفسه , وهذا البركان يتصاعد كلما تذكر المشهد , الله اعلم


جلس على مقعد فى شقته , اغمض عيناه , نام , او هكذا ظن , عندما افاق وجد الجيران حوله وباب شقته مفتوحا على مصرعيه , كل شيىءمحطم , الاثاث , الستائر , الاطباق , حتى عكازه كان محطما ,
" لا اله الا الله "
" اهدىء يا بنى "
الحمد لله على هذا "
" ماذا حدث لكل هذا "
عبارات سمعها ولا يعلم عنها سبب , هناك تقف عايدة مع امها وباقى الجيران , نظر اليها ودمعت عيناه , دمعت عيناه كما دمعت فى مرة سابقة عندما خرج من المسجد ولم يصلى , اكتشف ان يده مجروحه , هل هذا دمه ؟
" دعونا نضمد الجرح , ولينصرف كل الى شقته "
استسلم لمن يضمد جرحه , لم ينبس ببنت شفة
" لقد كسرنا الباب عندما سمعنا الجلبة , وجدناك قد حطمت كل شيىء "
" اريد البواب لو تسمح "
جاءالبواب واعطاه حسن نقود لصنع قفل للشقة
" هل ستغادر يا استاذ ؟"
" نعم "
" اريد عكازا من اية صيدليه كبرى الان "
" حاضر "

رواية - الجزء السادس

الرغبة دائما ما تتملكه فى ان يراها دوما , عندما اشترى حسن الشقة كان يرنو الى ان يشعر بها بقربه فقط , كل ما اراده حسن هو القرب من عايدة , وكان على اتم استعداد ان يفعل اى شيىء يقربه منها دون ان تشعر انه يتطفل عليها ,المه كثيرا فكرة انها قد تشعر بهذاالتطفل , هو عاش حياته كلها على هامش الاحداث وفى الظل ولم يمارس العيش فى قلبها , كان الاغيارهم من يقررون ويفكرون وكل ما على حسن هو ان يسير مع القطيع لا يشذ عنهم, فبشذوذه هذا قد يلفت الانظار اليه , وحسن يتألم ان نظر اليه احد . الامر بعيد عن المبالغة , نعم هو يتألم ان كان محط الانظار , دائما ما شكل اختلافه عن الاخرين حاجزا فى التواصل بينه وبينهم بل لن ندعى ان قلنا ان هذا الحاجز كان بين حسن ونفسه, اذا ما نظر اليه احد ظل يتساءل طيلة يومه هل يعتبر هذا اعاقته شيئا خياليا ام ان الامر لا يستحق ذلك كله, ولذلك كان يحيا فى الظل او فى الهامش , ولذلك كان يأبى ان يشعر به احد , او يلفت نظر احدهم اليه , فهو فى غنى عن معاناة رغب عنها سنوات طوال من جراء نظرات الشفقة غير المسئولة له , وكثيرا ما كان حسن يتألم حين يقابل معاق اخر فى الطريق او فى اى مكان , والمه هنا لا ينصب على المعاق الاخر ولكن ينصب على الحقيقة التى يفيق عليها والتى يحاول جاهدا ان يتناسها , انه معاق فى اول الامر واخره , حتى وان حاول ان يهرب منها فى احلامه المنتبهة طيلة اليوم , دائما ما يصحوا من حلمه على كابوس الواقع المرير , الا وانه مختلف . ربما كان ذهابه بالاتوبيس يوميا الى المصلحة نتيجة فى رغبته فى عدم الاختلاف عن الاغيار . او رغبته فى عدم احداث هوة اوسع فى بحر الاختلافات بينه وبين الاغيار , حسن ابدا لم يكن متطفلا على احد وابدا لم يكن مثيرا لاهتمام احد , وهو وصل مع نفسه الى حالة سوية من الرضى بهذا الوضع , وعندما اقترب من عايدة لم يكن يفكر فى اقتحام حياتها او اثارة انتباهها له , كل الامر هو يريد ان يراها , هل هذا مطلب عسير على الاغيار او عسير على عايدة نفسها ؟ , الان امتلك وسيلة قد تجعله قريبا منها والان حسن لايشعر بأى شخص اخر فى هذه الدنيا سواها , حتى هناء سقطت من ذاكرته بعنف ومولوده القادم لا يشكل لديه ادنى رابط لحياته القديمة , القادم فقط مع عايدة , لن يذهب الى بيته بعد الان وسيظل هنا فى تلك الشقة يرقبها ويشعر بها ويحسها بكامل جوانحه


يسمعها من شباك المنور , لها صوت عذب فريد , يطرب لنغماته , شباك الحمامان متقابلان , يختلس النظر عبر نافذته , لا يريد ان تشعر به , يريد ان يشعرها ان لا احد يسكن فى الشقة المقابلة لها , بطن طرف عكازه بقطعة قماش كى لا تسمع رنين عكازه فى ذهابه وايابه , كان يسير حافى القدم كى لا تسمع وقع خفيه على الارض , وارب باب نافذته واظلم حمامه بشكل دائم كى تشعر بالامان , ساعات طوال قضاها فى الحمام يتلصص ويجوب بعينيه فى حمامها , وكثيرا ما كان يجده مغلقا بالايام فلا ييأس الفتى ولا يكل , فى منتصف الليل كان يصحو لمجرد ان قد تكون على مشارف الحمام , تعرف على اسرتها كلها و امها واخويها الصغيرين , الا انه لم يستطع ان يحدول تحركاتها بشكل ثابت ابدا , دائما ما تفاجئه بغيابها المتكرر وكثيرا ما يشعر ان الشقة خاوية على عروشها لانها لم تكن فيها , ليالى طوال قضاها حسن فى رحاب عايدة والحق انه كان يستمتع بكل لحظة يقضيها فى البيت مراقبا لها , وكثيرا ما كان يسهر فيفوته ميعاد العمل فلا يذهب اليه , لم يكن كذلك من قبل , الا انه الان سعيدا ومبتهجا , الغريب ان حسن فى هذه الفترة كان يأكل كثيرا , وكأن قربه بعايدة قد فتح شهيته التى اغلقتها معاناته مع الاغيار عبر سنون عمره , انه يأكل ويستمتع بالطعام , لاول مرة يشعر ان حاسة التذوق عنده مازالت تعمل وبكفاءة,رأها ذات مرة ترتدى روبا كثيفا وتستعد لاخذ حمامها , ظلت دقائق تضع اشياء فى الحمام وتذهب وتعود وهو متابع لها شغفا , نظرت الى النافذة وهمت بأغلاقها وللعجب لم تنغلق بشكل كامل , ومن فرجة ضئيلة شاهد نصفهاالعلوى وجسدها الابيض , ونكح حسن يده, والحق ان نكاح يده الذ وامتع من نكاح هناء و وكأنه فى الجنة , وكأن الزمن توقف عند هذه اللحظات .



بعدها لا يدرى لماذا تذكر هناء , هل يشعر لحنين لها ؟ غريب هذا الشعور , لم يشعر


حسن بحنين لاحد من قبل , الواقع ان الحنين يعنى الارتباط والانتماء , وحسن لم يكن يوما منتميا لاحد غير نفسه , بل حتى نفسه لا يستطيع ان يبرهن على انتمائه لها , كم ظل فى هذه الشقة ؟ اه خمسة اشهر او ربما يزيد , لم يذكر فى مرة من المرات ان عارضته هناء فى شيىء, كانت دائما مطيعة له , وعلى الرغم من انعدام التواصل بينهم فيما عدا التواصل الغريزى الا انه لم يجدها من هواة الشجار او العكننة . وكثيرا ما كان يلمح فيها تلك الطيبة النادرة التى تراها فى اعين الماعز , تسير مع القطيع ولكن بلا تفكير تماما مثل حسن ,

فى مرة من المرات كان يجلس على كرسيه المفضل فى البيت وفى يده محفظته , سقطت منه امامه وحاول ان يتناولها ولكن لم يستطع , فما كان من هناء ان ناولته المحفظة , اسقطتها عن عمد مرة اخرى فجاءت وناولته اياها , ومرة ثالثة عن عمد يسقطها , وتأتى هناء وتناوله اياه , غريبة تلك الانسانة , وكأنها مبرمجة على راحته وكأن تكرار الفعل اكثر من مرة لم يعنى لها اى شيىء , ولم يكن لها حافز لتشغيل عقلهاالبائس فى مغزى ما حدث , حين يقارن جسدها وجسد عايدة يجد اختلافا كبيرا , لعله الاهتمام بمزايا الجسد , فعايدة تشعرك انها تتكلم بجسدها اكثر من لسانها دائما ما تجعلك تستمع الى خطاب قادم من صدرها واخر قادم من اعينها واخر قادم من اردافها واخر قادم من شفتيها , وتتعارض الخطابات مع بعضها البعض فلا تستطيع ان تسمع هذا او ذاك فقط تسكت , اما هناء فالجسد الاخرص لا يتكلم حتى مظاهر الجال الجنسى عندها لا تتحدث , يشعر بحنين لهناء وطعامها , سيذهب اليها غدا , اما الان فعايدة تستحوذ على ساحةالحرب

رواية الجزء الخامس

انهى عمله مبكرا , اخذ نصف يوم اجازة , لم يأخذ من قبل اجازة , كان يريد ان يقضى كل الوقت مع عايدة , وصل الى عمارتها ووجد نفس الرجل , اها انه البواب كيف لم ينتبه الى هذه الحقيقة الا الان ؟ , دائما يشعر انه غبى ,
" اريد ان اشترى شقة فى الدور الثالث "
" يا استاذ قلت لك ان الدور الثالث اهل "
" اعلم , اريد ان اشتريها من صاحبها باى سعر "
" هناك شقتان , شقة مدام عايدة وشقة الحاج مختار "
" متى استطيع ان اقابل الحاج مختار هذا ؟"
" ولماذا لا تقابل مدام عايدة انها تعيش وحدها مع امهاواخويها وربما تبيع الشقة , اما الحاج مختار فلا اظنه سيوافق على البيع ؟"
" لا اريد ان اتعامل مع نساء ,. انت تعلم اساليبهم "
" ماذا تريد الان ؟"
" اريد ان اقابل الحاج مختار , هل هو موجود ؟"
" كلا , فى الخارج الان سيعود بعد صلاة العصر "
" حسنا ... ساتى له بعد صلاة العصر , اسمع , مااسمك ؟"
" محمود "
" ان نجحت فى شراء الشقة سأعطيك ضعفى ما يأخذه اى سمسار فى هذه المنطقة "
" ربنا يحفظك يا باشا , ان شاء الله مقضية البيعة "
التف حسن مبتعدا , ثم توقف وعاد الى محمود واعطاه ورقة بعشرين جنيه ,
ينفق ببذخ حسن هذه الايام , هو مصمم على شراء الشقة وبأى سعر يطلبه الساكن , هذا ما نواه فى الليل , ذهب الى مقهى قريب , يلمح باب العمارة بطرفه , فيلم سخيف فى التلفاز , لا يدرى لماذا يتعب اهل السينما انفسهم فى صنع افلام تزيد الناس بلاهة على بلاهتهم , تابع جزء منه ولم يقدر على المواصلة , بين الحين والاخر كان ينظر الى باب العمارة والى ساعته , العصر امامه ثلاث ساعات ونصف , , شعر بالجوع بعد ساعتين , لن يغادر مكانه بحثا عن طعام الان , سينتظرها , لماذا لم تأت ؟, المفترض ان تصل منذ نصف ساعة او اقل , هل اخطأ فى العنوان ؟ هل هذا منزلها ؟ يالا الجنون البواب اشار الى اسمها منذ ساعتين , اللعنة على الانتظار , دائما ما يكره الانتظار , جرسون المقهى ينظر اليه , سيطلب مشروب اخر وينتظر , فى الحالات الطبيعية كان حسن يسرح بخياله الخصب وينسج نسيجا فريدا من احلامه يقتل الوقت قتلا , ام الان فلا يستطيع ان يحلم كعادته , لا يدرى السبب , حسنا هاهو اذان العصر , بقى القليل , انتظر نصف ساعة اخرى وعاد الى العمارة , لم يجد البواب , تلفت حوله و لم يجد احد , قرر ان يصعد الى الدور الثالث , درجات السلم مريحة جدا على العكس من سلم بيته , وصل الى الطابق , اى شقة هى شقة الحاج مختار , طرق على باب احداها, انتظر قليلا , وجدها امامه , خفقان قلبه الان سجل معدلات قياسية ,
" حسن "
" ااااااااا"
" ماذا تفعل هنا؟ "
" الحا اااا الحاج ممم مختار "
" الحاج مختار!!!! هل تريد الحاج مختار ؟"
اومىء برأسه لم يستطع ان يجيب, ليستغل لغة بدنه ان عجزت لغة لسانه عن التعبير عما يريد ان يقوله
" الحاج مختار فى الشقة المقابلة يا حسن , ولكن فى ماذا تريده ؟"
" عييييندى مووعد معه "
" حسنا , الا تتفضل عندنا بعض الوقت يا حسن "
" ششششكرا"
انتظرت قليلا حتى ابتعد الى شقة الحاج مختار ثم اغلقت الباب برفق , كيف لم يرها ؟ ياله من ابله , هل عميت عيناه الى هذا الحد ؟ ماذا كانت ترتدى ؟ المفاجأة اقوى من قدرته على الملاحظة , انه يغرق فى عرقه وكأنه فى الظهيرة , ظل واقفا فى مكانه وخيل اليه انها تنظره من عين زجاجية فى الباب , تلفت لم يجد شيئا على بابها , طرق على باب الحاج مختار وانتظر , لم يفتح احد الباب , عاود الطرق مرة اخرى ولكن لا مجيب , ماذا يفعل الان ؟ لا يعلم , وقع اقدام احدهم يصعد السلم , رجل قصير يرتدى بدلة سفارى ينظر اليه فى تساؤل ,
" الحاج مختار "
" من يريده ؟"
" انا اريده , حسن شريف الكاتب "
" انا الحاج مختار , اية خدمة ؟"
" استئذن حضرتك فى دقائق من وقتك "
" حسنا "
دخلا الشقة المتواضعة , وجالسه الرجل وعزم عليه بمشروب ,
" خير يا استاذ"
" خير ان شاء الله ..... انا اريد ان اشترى هذه الشقة منك "
" شقتى هذه "
" نعم "
" ليست للبيع يا استاذ "

" يا حاج قل ما تريده ثمنا فى هذه الشقة وازيدك عليها ؟
" هل تعلم ثمن هذه الشقة الان ؟"
" ايا كان السعر ساكون قادرا عليه ان شاء الولى عز وجل "
" والله لا ادرى يا بنى "
" اسمعنى يا حاج .... لقد سألت عن سعر المتر فى هذه المنطقة وقيل لى انه الفان فى المتر الواحد, انا سأعطيك ثلاثة الاف والدفع فورى بدون مماطلة "
" ولكن لماذا هذه الشقة بالذات هناك شقق اخرى فى الشارع افضل من هذى وستحصل عليها بسعر اقل "
" انا ارتحت الى هذه العمارة يا حاج والحقيقة انا لدى مطلب بهذه الشقة بالذات لانها قريبه من مكان عملى كما انها ليست فى طابق مرتفع , وكما تعلم لا اقو على الصعود كثيرا "
" لكن اين سأذهب ان تركت شقتى ؟"
" اسمع يا حاج انا قلت لك سأدفع ثلاثة الاف فى المتر حسنا انا اقل لك الان اننى سأدفع اربعة الاف فى المتر واعتقد ان المبلغ كفيل بشراء ماتريد وفى اى وقت "
" ومتى تريد ان تتم البيع ؟"
" غدا اتى اليك بالمبلغ "
" غدا!!!!"
" وبعد غدا استلم منك الشقة "
الله المستعان "
" الى غد يا حاج "
حسنا يا بنى "



انهى حسن اجراءات الشراء ودفع للحاج مختار سعرا خرافيا واستلم شقته بعد يومين فقط , الان سيهنىء حسن بقربها ,

الأحد، 3 أغسطس 2008

رواية الجزء الرابع

" انى حبلى "
هكذا قالتها هناء , كان المفترض ان يكون سعيدا بهذا الخبر , هاهو امتداده فى هذا العالم قد نوه عن القدوم , لكن حسن لم يكن سعيدا كما لم يكن حزينا , حقيقة لم يعرف مشاعره حين سمع هذا الخبر , ربما هو نفس الشعور حين تقول له هناء
" انا جوعى "
لم يبد اهتماما لمقدم الضيف الجديد , لا يعنيه كثيرا , نفس جديدة تأتى حيرى الى الغابة , هذا كل الامر
" اذهبى الى امك "
بعد اسبوع من هذا الخبر قالها , الامر لا يحتمل ان نزيده بشاعة فوق بشاعته الطبيعية , هناء بجسدها المترهل حبلى , ياالله .... كلا فلن يحتمل رؤية المسخ وهو يزداد قباحة , هل هناء فعلا قبيحة ؟ يراها قبيحة طيلة الوقت على الرغم من تأكيدات امه المرحومة من قبل ان هناء جميلة الجميلات .
يشعر الفتى بالراحة حين ذهبت الى امها , سيصلها ماتريد ويزيد كل يوم , حتى تضع حملها , لم يكن حسن من اولئك الناس الذين يطيلون التفكير فى اناس لمجرد انهم مقربين منه قرابة لايد له فيها , انه يحيا وحيدا حتى فى رعايته لمن وجب عليه رعايتهم , ربما لو كانت امه حية ترزق الان لفعلت به الافاعيل من جراء فعلته النكراء , لكن امه قد غادرت الغابة ومازال هو فيها , فليفعل مايشاء ويرنو, كلمته ام هناء عن سبب قدوم ابنتها لها قبل الولادة بسبعة اشهر , تلعثم كالعادة , كانت العبارة الوحيدة الواضحة من كلامه
" عندك افضل لها "
لم يأبه لامها كثيرا , الان خلى عليه البيت , وقد رحم عينيه مما يراه يوميا . اليوم عطلة رسمية , غدا عايدة وجمالها الاخاذ, لينعم بأحلامه الان دون مقاطعة غير مسئولة لحلمه .وليصول ويجول فى دنيا خيالاته يحطم من يشاء ويكرم من يشاء , كان الها فى احلامه اذا اراد شيئا حلم به فكان .



كان يوما شاقا فى عمله , ما هذى الرطوبة الشديدة , يتصبب عرقا طوال الوقت , نفدت مناديله الورقية , فى مثل هذا الطقس لا يستطيع حسن ان يحلم كما يشاء , ولا يستطيع ان يراقب عايدة بنظراته الخفية ,يزداد حنقا كلما تصبب عرقا , لعل عنده املاح فى جسده , نظر فى نهاية الممر وجده هناك واقف فى اعتداد وثقة , مهندم متناسق القوام رياضى الجسد , وسيم الطلعة ,جاءمرة اخرى , مالذى يريده منها , يقترب منها وعلى وجهه ابتسامه واثقة, تبادله الابتسام , عايدة رائعة عندما تبتسم , تشعرك وكأنك تجلس فى غرفة مكيفة حتى وان كنت فى قيظ اغسطس الخانق, يتبادلان بعض الكلمات , يتوتر حسن اكثر , يصيح فى وجه احدهم بشىء لا يتذكره , يذهب الرجل ويغادر المصلحة , لم يأتى لشيىء سواها , وحدها هى من جعلته يأتى لهذا المكان الحقير ,انتهى اليوم . هل واعدته ؟ هل سيتقابلا فى مكان اخر ؟ هل اعجبت بوسامته وجسده ؟ ماذا قال لها ؟ وماذا قالت له ؟ اسئلة اجتاحت رأسه وعصفت باستقراره المعهود, ماهذه الكأبة التى حلت على وحهه ؟ حاول ان يصرفها من عقله , لم يفلح كالعادة ,اصبحت عايدة من مكونات دماغه , لو اراد ان يستغنى عنها فليستغنى عن دماغه, قبل ان يغادر حصل على عنوانها , ولاول مرة لا يذهب الى بيته مباشرة , جلس على مقهى قريب من المصلحة , اعتدل الطقس قليل , بعد ساعة او يزيد غادر , اشار لتاكسى ,
" اريد ان اذهب لهذا العنوان "
" اركب يا باشا "
لم يكن يستمع لم يقوله السائق , دائما ما يتحدثون هؤلاء الناس , كان يومىء برأسه بين فينة واخرى , التاكسى مريح ربما سيتخلى عن توجيه امه وقناعاتها الغبية ويذهب بالتاكسى لعمله كل يوم , هاهو يراها امامه تنظر اليه , مازال يرهبها ومازال لها تـأثير خارق على افعاله , اغمض عينيه , وصل اخيرا , سبعة جنيهات فقط , لم يناقش السائق وهو يعلم انه بالغ فى التسعيرة , منزل رقم 14 , لعله فى اخر الشارع , كلا ليس هذا هو المنزل , سأل عن رقم 14 قيل له فى اول الشارع , ذهب الى اول الشارع , لماذا لم يشعر بالتعب حتى الان ؟ حسن كان يلفظ انفاسه كل يوم فى منزله من جراء التعب الا انه الان لم يشعر بالتعب , فقط تعب السير المعتاد , ها هو المنزل , عمارة من ثمان طوابق, وجد رجلاعلى عتبة العمارة ,
" هل توجد شقق فى هذه العمارة للبيع او الايجار ؟"
" هناك واحده فى الدور الاخير "
" الدور الاخير ؟ !!!!"
" نعم "
نظر اليه الرجل نظرة ما ثم قال
" ولا يوجد مصعد فى العمارة "
" اريد شقة فى الدور الثالث تحديدا "
" الثالث مسكون يا حضرة "
" كم يبلغ سعر الشقة فى هذه المنطقة "
" المتر بالفان وربما يزيد فى عمارات النواصى "
" اشكرك "
" اى خدمة "
تتبعه الرجل ببصره وشاهده يرفع عينيه لاعلى , نادى عليه ,
" يا استاذ "
"ها"
هناك شقة فى عمارة فى اخر هذا الشارع فى الدور الثالث كما تريد"
" اريدها هنا فى هذه العمارة "
" الاخرى اكثر اتساعا "
" اشكرك "


عاد الى بيته , يعرف انها تسكن الدور الثالث , يريدها بجواره باقصى حد ممكن , يريد ان يشعر بها فى كل لحظة تمر عليه , يريد ان يرقبها ويلحظها ليس فقط فى ساعة العمل , وانما حتى فى ساعة الراحة ,وجد طعاما فى المطبخ , من اين جاء هذا ؟ لم يتعب ذهنه فى التفكير , انهى طعامه وجلس , هاهو التعب قد حل عليه عيناه تغمضان فى يأس , يريد ان يحلم بعايدة وهو منتبه كى يصوغ حلمه كيف اراد , لم يستطع ان يقاوم كثيرا , نام على مقعده


جاءته عايدة فى منامه , رائع هذا الفستان , ضيق عند مؤخرتها , يجعل اردافها تتنازعان الحرية , والخيط الاسود ينساب فى نشوة بين الجبلين الثلجيين , تحمل فى يدها حبلا اسودا رفيعا , تهز جسدها فيهتز قلبه , لطالما منى نفسه بهذه النظرة الماجنة منها طوال احلامه المنتبه , كان لحلم النوم ثأثيرا اكبر عليه من حلم الانتباه , اشبه بالحقيقة منه الى الخيال , تمسك يديه وتربطهما بالحبل , لا يقاوم , لا يريد ان يقاوم , هاهى تلمس يدها يديه فلم يقاوم ؟,لطمته بيدها لطمة موجعه , تبدلت ملامحها من الغنج الى الشراسة اللامبررة , لماذا دائما يضربنه فى الحلم ؟ لا يعلم , ماذا حل بنساء هذا العالم ؟ الا يوجد من يضربنه غيره؟ افاق من حلمه , منتصف الليل , خرج الى البلكونه ونظر الى الشارع والاضواء , فليكن غدا اذن , هكذا فكر حسن , وليستغل ما اوتى من مال لتحقيق صبوه , هكذا فكر حسن ,ولتتحرك الدنيا طوعا فى يديه كما تتحرك فى احلامه , هكذا ظن حسن .

مجرد تنويه

حسن -بطل الروايه- هو كل من يشعر بأختلاف عن غيره بلا سبب منطقى, كل من يقال عنه انه معاق ولا يدرى سبب لاعاقته او سببا لتسميته كذلك . حسن قد يكون الزنجى فى امريكا او المسيحى فى مصر او المسلم فى اسرائيل او المرأة فى مجتمع ذكورى .
والتشوه فى جسد حسن او الاعاقة بتعبير اخر ليس المقصود منها الاعاقة بشكلها المادى البسيط ولكن ينسحب هذا التشوه ليشمل المعنى والنظرة والروح . وتتسع هذه الاعاقة لتشمل كل الاغيار والاخرون من حوله.

انتظروا الفصل القادم واعذرونى على التأخير

رواية - الجزء الثالث-

ربما هو سعيد بهذه النتيجة التى وصل اليها مع هناء زوجته, ولعل السبب فى هذا ان اول نموذج للمرأة كانت امه, وامه كانت مرجع دائم لكل تصرفاته فحسن كان لايجرؤ فى لحظة من اللحظات ان يخطو خطوة دون مباركة من امه او استشارة او حتى مناجاة . والى الان وحتى بعد وفاتها ظل طيف امه واقف فى مخيلته ثابت كتمثال ابى الهول . حسن لم يكن من اولئك الناس القادرين على مواجهة شخصيات كاريزمية كأمه . يتذكر نظراتها الحادة وصوتها الجهورى المقنع ايا كانت القضية ودائما ما كانت لديه قناعة ان الحكومة لو استغلت امكانيات امه الجبارة فى قضية الشرق الاوسط لنعم الناس بالسلام ولحلت القضية منذ امد بعيد , ولكن الحكومة كالعادة عمياء عن قدرات ابنائها. حينما عرضت عليه ان يتزوج هناء كان عرضها غريبا
( ان لك ان تتزوج وهناء بنت خالتك ام شوقى هى الانسب لك )
هكذا قالتها بصورة تقريرية لا تقبل الجدال , وعندما حاول حسنان يجادل اخرسته نظرة قصيرة من عيني امه , فى اليوم التالى رأى هناء واتفقت امه على شتى التفاصيل وقامت بالواجب ويزيد , كل تكاليف الزواج قامت به امه من الالف الى الياء , حتى ملابس هناء الداخلية كانت لامه اليد العليا فى نوعيتها واثمانها , والحق يقال ان امه كانت تنفق ببذخ فى زواجه وكانت دائما تقول له
" للمال سحر, ان روضته, نلت حظك من الدنيا "
لا يتذكر حسن متى ابتسمت امه قبل زواجه الا انه ولاول مرة يراه تبتسم فى زفافه كم اسعده ذلك , الا ان سرعان ما ذهب تأثير زفافه عن امه وعادت هذه النظرة المتحدية على وجهها وكأن المرأة فى ساحة القتال . حين ماتت ام حسن لم يبكى على فراقهاوحين وارها التراب لم ينفعل او تهتز شعره واحدة فى ظهره , واستعجب من من يبكى على المرأة وهم الذين عانو الامرين من سطوتها ونفوذها . ولاول مرة فى حياته يشعر حسن انه قادر على التصرف بأرادة حرة وان يأتى افعال دون مجابهة لولية امره ووخلق التبريرات الحمقاء لتفادى غضبها عليه. اصبح ثريا الان , الت له تركة امه الثرية وحده بلا منازع وعائدات الاملاك والعقارات والاطيان تأتيه طواعية كل شهر ينفق كيف يشاء ووقتما يشاء , لا ينتظر الشهرية المعتادة من امه ولا يحفل بمطالبة احد بمال امه . ولعلك تعجب ان حسن حتى وحينما امتللك هذه الثروة الكبيرة لم يشتر سيارة او منزلا اخر او حتى ينفق على وسائل الموصلات الخاصة ما يطيب له , ان حسن ظل يحيا حياته قبل وفاة امه وكأن امه مازالت تحيا بجواره, وكأنه مايزال يسمع صوتها يرن فى اذنيه ان لا تفعل هذا وان افعل ذاك . امه على ثراءها الفاحش كانت ترفض ان يشترلنفسه سيارة او ان يأخد تاكسيا فى ذهابه الى العمل وكانت دائما ما تقول له
( ان كان الناس يذهبوا الى عملهم بالاتوبيس فلم تذهب انت بتاكسى )

لم يكن يوما مؤمنا . كان يرى الناس يصلون فى المسجد القريب من بيته ويشعر بحنين شديد للصلاة , يريد ان يبكى الفتى ولكن حتى الدمعات تأبى ان تطعيه , فى رمضان يكثر البكاء فى المسجد فى صلاة التروايح, وفى يوم لا يتذكره اراد ان يذهب ويبكى , ذهب مبكرا الى المسجد غير متوضىء , دخل الميضه متوجس خيفة , لاول مرة يرى مكان كهذا , قابلته رائحة كريهة من الكنيف , جاهد ان يقف معتدلا على البلاط المبتل الزلق , تشبثت يداه بالصنبور وارتكز على عكازه كى يصعد الدرج العالى كى يتوضأ , اخير تسلق الملعون , ماذا يردد الناس عند الوضوء ؟ لا يدرى ........... غسل وجهه وذراعيه وراسه واتى دور رجله . كيف ؟. لا يدرى .......... مال بجسده اخذا رجله اليمنى , لماذا يجب ان يبدأ برجله اليمنى ؟ لا يدرى ........... لم يستطع ان يرفعها , اخذ ينثر الماء عليها بيده المرتجفتان , هل ابتلتا؟ لا يدرى ................ رجله اليسرى افضل حالا نجح فى لمسها بالماء , ان الاوان ان يهبط الهرم , لمح بطرف عينيه رجلا , لعله المسئول عن المسجد , ها سينزلق على البلاط الاشبه بالصابون , سقط ..... اه كم تؤلمه ركبتيه , كيف سينهض من رقدته ؟ لا يدرى .......... الرجل اتى يعجل اليه , مد له يدا , نظر اليه ........ مال بجسده المبتل اخذا يده , عصرها الرجل بقوة وجذبه لاعلى , اه ......... كم تؤلمه الان ذراعه, نهض اخيرا والرجل يردد عبارات لا يفقهها حسن , شكره ودخل المسجد , هل نقض سقوطه على الارضية القذرة وضوئه ؟ لا يدرى ............ نظر فى ساحة المسجد اناس قليلين , ارقد عكازه على عمود وجلس فى الارض ينتظر , كيف سيصلى ؟ لا يدرى ............. نظر خلفه ووجد كراسى بدأت تحتل , اراد ان ينهض , اللعنة لماذا كلما اراد ان يفعل شيئا يواجه مشقة حتى ان كان بسيطا , يقترب من الكرسى ,
" هذا كرسى الشيخ احمد "
اقترب من كرسى اخر
" هذا كرسى الشيخ محمد "
اقترب من كرسى اخر
" هذا كرسى الشيخ طه
" نظر "حوله , البقية شغلت , فليكن سيقف فى الصف , عاد مكانه وانتظر , اذان الاقامة , نهض فى معاناته المعتادة , تقدم فى الصف الاول , سمع ان فضل الصف الاول كبيرا , لقد جاء مبكرا ومن حقه الصف الاول , وقف منتظرا , نظر الامام الى الصف , يساو الرجل الصف وينظمه . عند حسن الخلل, قدمه اليمنى لا تلتصق بقدم من بيمينه , وكتفه اليسرى تميل على من بيساره , الخلل عند حسن , نظر الامام له " ارجع واجلس على كرسى "
" لا اجد كرسيا لى "
" لا تصلح الصلاة بصف مائل "
" ارجع واجلس على الارض "
رجع حسن ولكنه لم يجلس على الارض بل خرج من المسجد والرجل يردد الفاتحة , كم يجد الفاتحة غريبة على مسامعه هذه المرة .
حين خرج حسن من المسجد نظر الى المئذنة العالية , ياه كم طويلة , وحين نظرها وجدها تشتعل نورا , وتلألأ النور على دمعة فرت من عينيه على استحياء .

قصيدة اعجبتى

يا أمي ما شكل السماء ..
وما الضياء وما القمر ..
بجمالها تتحدثون .. ولاأرى منها أثر ..
هل هذه الدنيا ظلامٌ هم في ظلامٍ مستمر..
يا أمي مـُدي لي يديك عسى يزايلني الضجر ..
أمشي أخاف تعثراً .. وسط النهار أو السحر ..
لا أهتدي في السير .. إن طال الطريق وإن قصــُــر ..
أمشي أُحاذر أن يــًُصادفني إذا أخطو خطر ..
والأرض عندي يستوي منها البسائط والــحــُــفر ..
عــُــكازتي هي ناظري ..
هل في جمادٍ من نظر ..
يجري الصغار .. ويلعبون ويرتعون ولا ضرر .
.وأنا ضريرٌ قاعدٌ في عـُـقر داري مستقر ..
الله يلطف بي ويصرِفُ ما أقاسي من كدر ..

السبت، 2 أغسطس 2008

رواية - الجزء الثانى -

يوم اسود اذا ما صعد الى الاتوبيس ووجد مكانه المعتاد شاغلا . يوم اسود بمعنى الكلمة . سيكون عليه ان يقاوم التأرجح طيلة الرحلة , سيكون عليه ان يوازن بين عكازه ويده الاخرى فى التشبث فى ما يثبته ويجعله واقفا بشكل مرضى بدون وقوع او ارتطام فى جدران الغول الداخلية . يأبى ان يجلس فى المقعد المخصص للمعاقيين . كم تألمه هذه الكلمة ويجدها ابغض من كلمة كافر زنديق . عادة من يجلس فى هذه المقعد يفقد بصره حتى تظن انه لا يرى احدا واقف امامه يستجدى عطفه ويناشده بقيم الالم والمعاناة ان هذا حقى وانت سلبته منى . حسن يأبى ان يضع نفسه فى هذا الموقف المهين ونظرات الناس كثيرا ما تطالبه بالمطالبة بحقه الا انه وبسبب هذه المطالبه يأبى ان يأخذ حقه . فى وقت ما وحتى يخفف من حدة الموقف كان يفلسف الامر مدعيا ان هذا الكرسى ليس حق له وان الامر مرجعه الا الاسبقية ليس الا . والحق ان كثيرا ما كان من يجلس مكانه يخلى له المقعد وحسن يتمنع تمنع الجارية الشبقة على سيدها. وتنتهى معاناة الفتى حين تلوح محطته .





يصل حسن الى المصلحة الحكومية الاول دائما , يجلس منتظرا فى صبر حتى يعود له الفراش بالطعام . اه كم يمل هذا الطعام . لقد فقد احساسه بهذا الطعام منذ زمن بعيد فقط يأكل وفى كل مرة يقول لنفسه ( لابد من تغيير الصنف ) وفى كل مرة لايخبر الفراش بهذا النية فى التغيير .

ها هى وصلت من ينتظرها . ياالله ..... هل هناك امرأة فى هذا العالم تمتلك هذه القدرة على تحريك غرائزه كتلك المرأة. تجلس عايدة غير ابهه بنظراته الجوعى لها . يتأمل طرف الخط الاسود بين نهديها . يتخيلها بقميص نوم احمر وصدرها الابيض ملجم به كى لا يحتل العالم .لطالما تساءل حسن عن لون حلماتها وكثيرا ماكان يقاوم عضوه الانفلات خارج بنطاله صارخا بتمرده على كل الاعراف والقيمحين تأتى وتتحدث معه فى شأن من شئون العمل . عايدة هى القاسم المشترك الاكبر فى احلام حسن النهارية .من اجلها يتعارك ويناضل ويتفاخر . فقط هى ولا احد سواها . لا يعلم ان كانت قد قرأت نظراته منذ زمن ام لا .لكنه كثيرا ما يجدها تنظر اليه وعلى وجهها شبح ابتسامة لم يستطع يوما ان يترجمها لصالحه . كان يشعر انها تستهزىء به فى نفسها . واحيانا كان يشعر انها تتعمد ان تمشى امامه وتتمايل تمايل القطة فى موسم نكاحها .حين يراها حسن كذلك لا يملك الا ان يقارن بين هذاالخصر المتماسك المتناسق وبين ما يراه فى بيته من جسد مترهل هلامى الابعاد . ووصل به الامر انه حين يجامع امرأته كان يغلق عينيه ويعمل عقله الثرى بالتخيلات والاحلام فيتخيل عايدة بكل تفاصيلها التى نسجها عقله . وكثيرا ما كان يفوق من ذلك حين تلتف رجلى زوجته حول وسطه وتكاد تقصم ظهره بعضلاتها الاسطورية.
لاينكر حسن ان عايدة هى احد اهم الاسباب فى استمراره فى عمله حتى هذه اللحظة .وهى ايضا احد الاسباب فى عدم اعلان عقله الافلاس واعلان الجنون الصريح امام الناس بلا موراة او ادعاء غير ذلك.وحتى احلامه الجنسية مع عايدة كانت تتم على النحو الذى يريده فهو عنتر ابن شداد فى الجماع. وفى هذه الاحلام يمارس حسن كل ما يخطر فى باله من اوضاع جنسية يعجز عن ممارستها فى ارض الواقع مع زوجته الضخمة.
يعلم ان عايدة لا يمكن يوما ان تأتى اليه او تستجيب لنظراته لكنها تستجيب فى احلامه وهذا يكفى .ومن فرط ادمانه الحلم بها اصبحت عايده هى مثال الانوثة عند حسن فكل امرأة واى امرأة لابد وان تقارن بعايدة ودائما المقارنة فى صالحها.ينتهى دوام عمله بلا عمل يذكر .وتبدا معاناة رحلة العودة .

نفس المعاناة تتكرر , نفس ما يدور فى خلده فى رحلة الذهاب هو مايدور فى خلده فى رحلة العودة , تشابه التجارب والاحاسيس المصاحبة لها جعله ينسجم معها فى ألفة ورقى , الا ان هذا لم يخفف من حدة المه تجاه ما يراه من الاغيار , ان حسن مازال يتألم وفى كل مرة يخوض فيها تجربة تشعره بأختلافه عنهم كان الألم يطبع فى وجهه علامة فيزداد وجهه تخشبا وتزداد روحه حساسية وتلبد فى ان واحد. ويهرب من ذاك كله بأحلامه الجميلة المستحيلة الممتعة . ويعود الى منزله مرهقا تعبا تتقافز نبضات قلبه وتتسارع حتى يهدأ.

فى البيت هناء , وهناء من اولئك النساء اللائى لا يشعرن المرء بأى شيىء يخرج من المنظومة . حالة فريدة من البشر فقط هى تعيش ولا تعلم كيف ا ولماذا ا ومتى , لايعنيها سوء شيئان فى هذه الدنيا و الطعام والجنس .

حين راها اول مرة كان هناء ذات شكل ادمى معقول , ممتلئة لكنها ممشوقه , ملامحها تحمل شيئا من الوسامة ولكن نظراتها جامدة دوما لا تعبر عن اى شيىء فى حالات الغضب او النشوة او الفرح او اى انفعال بشرى تجد نفس النظرة مرسومة علي وجهها , هذه النظرة الاقرب لنظرات مدمنى المخدرات المحترفين , بين النوم واليقظة وبطىء ردة الفعل , ذهب مع امه كى يراها اول المرة وظن انه قد رفض من جراء هذه النظرة الا ان ظنه قد خاب بمجرد قدومه الى البيت بعد الزيارة , فقد جاء الرد بالموافقة سريعا جدا وكأن اهلها كانو ينتظروننا منذ امد بعيد.دامت خطوبته ثلاث اشهر مرت كبرق البصر , كان عريسا لقطة فى نظر اهل هناء , مقتدر ماديا وجاهز ولا يعيب الرجل سوى جيبه كما يقولون , اصر حسن ان تكون ليلة الزفاف بسيطة ليست كم اعتاده رجال ونساء عائلته, كان يكره ان يكون محطا لانظار الاغيار حتى من عائلته , لو كان عليه لالغى هذه الليلة من اساسها, ومن المرات النادرة التى وافقته فيها امه فى مايريد بعد جدال مرير معها , لعلها رأت نظرة الاستعطاف والتذلل فى عينيه لتمرير هذه الليلة كما يحب , حاول اكثر من مرة ان يتذكر كيف كانت هناء فى هذه الليلة الا انه فشل وكأن هذه التفاصيل قد محيت من عقله بممحاة . الا ان ما يتذكره من هذه التجربة المريرة انه ظل اسبوعا يحاول ان يفض بكارة هناء بطريقه انسانية , اسبوعا كاملا يحاول ان يستكشف خبايا هذا الجسد العنيف القوى , كانت هناء تتمتع بقوة اسطورية فى نظره , لها رجلين يحسدها عليهما مايك تايسون بطل الملاكمة العالمى , استلزم منه الامر وقتا طويلا حتى ينجح فى احداث انفراجه بينهما تسمح بوضع جسده الضئيل بينهم , وحينما فعل كان لديه مهمة اكبر فى فى استكشاف مغارة على بابا وسبر اغوارها , الا انه نجح فى النهاية وشعر انه انجز المهمة الاصعب فى حياته . بعد ذلك كان الامر سهل ولكن غير ممتع فكثيرا ماكان حسن يفقتد الاثارة فى تجربته الجنسية مع هناء , كانا يلتقيا بشكل روتينى ووقتما يرى حسن ذلك , وكثيرا ما كان يرى هناء تفتقر الى ابسط مقومات المرأة ومع مرور الوقت كان الامر بينها كساحة حرب ملىء بالجثث والغربان ووصلا بينهما الا حالة سلام ضمنى فكلاهما لايقوا على الحرب.



رواية - الجزء الاول -

تصبب عرقا , واخذت يداه تقاوم ايادى اخرى وهمية , كان يتنفس فى صعوية , تتلاحق انفاسه وتتدافع من انفه بسرعة شديدة , كان الفتى يحلم . رأى نفسه فى اعماق بئر , يتشبث بدلوه كى لا يغرق , ومن فوقه عند الفرجة امرأتان فى يديهما سوطان طويلان ينهالان عليه به , ويتضاحكان . زوجته وامه يالا المفارقه كلتاهما تحرق ظهره بالسوط ولا يدرى السبب . حاول ان يتكلم او يصرخ او حتى يتأوه لكن لم يستطع . الغريب فى الامر ان السوط كان يصل له فى غياهب الجب مع ضيق المساحة . لم يتعب ذهنه فى ذلك , كل ما كان يشغله هو لماذا يكيلان له السياط ويتضاحكان وكأنهما سكارى يستلذان بما يفعلانه به .
افاق من نومه جالت عيناه فى ظلام الغرفة بحثا عن ضوء , وجده قادم من نافذته الضيقه, ضوء ضئيل الا انه بدد ظلمته . ظل دقائق فى سريره يحاول ان يدرك حيز المكان والزمان . نظر بجواره وجدها تغط فى شخير ذكره بصوت الغوريلا الجوعى . شيىء هلامى المقاييس يشبه جوال القطن لا وسط ولا اقدام ولا رأس . استلقى ثانيتان مرة اخرى ثم جاهد ان يقعد , كان مايزال يتنفس بصعوبة وان خفت حدتها .نظر الى النافذة مصدر الضوء الوحيد فى الغرفة . انصت الى الصخب الاتى منها. اعمل يداه بحثا عن عكازه فيما وراء سريره. وجده اخيرا , قام ملقيا نظرة على الكائن المستلقى بسلام بجانبه ثم سار فى اتجاه النافذة.
كان وقع عكازه وقدمه على ارضية الغرفة كطبول حرب لجيش منهزم يسير الهوينى غير ابه لمطاردة الاعداء . كان ينظر الى ماخارج النافذة والاضواء تقترب منه حتى وصل اليها . وهناك خيل اليه انه يسمع ضحكات لكنه اغلق النافذة





كان حسن من أولئك الناس الذين قلما تصادفهم فى حياتك وتنتبه لهم او حتى تعلم بوجودهم حولك . كان صامتا دوما . لا يشعرك بوجوده الا اذا وجهت له كلاما مباشرا - وهذا لا يحدث الا نادرا - واذا تكلم كان مقتطبا غير معبر عن اى شيىء .غالبا ما كان يكتفى بأيماءه خجلة برأسه او ابتسامة واهنة ترتسم على شفتيه الحاداتين وسرعان ما تتوارى ليعود بعدها هذا الوجه الخشبى الغير معبر عن اى شيىء.جسده الضئيل والمتأرجح بين اليمين وبين اليسار اضاف علي نكرته نكران اضافيا . حتى صوته مرتعش غير واثق, كثيرا مايضغم ويبدل الحروف فينتبه الى ذلك فيحاول ان يعيد ما كان يقوله مرة اخرى فينسى ما كان يقوله , والنتيجة الحتمية لذلك ان ما يسمع حسن عادة ما يشعر بالملل والضجر سريعا ويشيح بوجه عنه . لعل ذلك هو السبب فى صمته المتواصل .وحسن ِِشأنه فى ذلك شأن كل البشر يسرح ويحلم ويفكر وينسج من احلامه نسيجا رائعا لعالم جديد يفبع فى عقله ومخيلته وحده. الا ان حسن يختلف عن باقى الناس فى انه يستمتع بكل لحظة يشرد فيها فى احلامه . لنكن ادق تعبيرا ان حسن يتنفس احلامه حتى يكاد ينعزل عما حوله تماما فلا يسمع ولا يرى ويحس الا ما يراه فى حلمه . وكثيرا ما تراه يهز فى رأسه بأيجاب تارة او بالرفض تارة او يلوح بيديه على نحو غريزى تارة اخرى .حتى ان من يحيط بحسن كانت لديهم قناعة, ترسخت على مدار السنوات التى رأوه فيها, ان ما يفصله والجنون بات شيئا رفيعا جدا يصعب على عقولهم رؤيته . فى احلام اليقظة يضحك الفتى ويبكى , يجرى ويمشى , يجود على هذا ويمن على ذاك , يعاقب هذا ويسامح ذاك , فى احلامه كل شيئ قابل للحدوث والتحقق. هو وسيم وغنى , قوى وذكى , مرغوب من كل النساء , فاجر و تقى , لا يأبه لاحد من حوله , مثار احاديث الناس ونوادرهم , اى صفة يريدها حسن فيه , كل ماعليه هو ان يحلم . والغريب ان حالة الصمت المطبق التى تكتنفه فى حياته الواقعية تتلاشى وتتهاوى فى احلامه , فهو المثقف اللبق حاضر الذهن , الذى لا يصعب عليه نقاش او موضوع , هو علامة عصره فى النقاش وامامه كل رأى سفيه تافه وغير حكيم . حسن كان يحيا الحلم بكل جوانحه يتنفسه بكل رئتيه يشعر ان الحلم هو ما يجعله حيا حتى الان . وكثيرا ما تراه يجلس وحيدا على المقهى معتزلا اقرانه شارد الذهن تظنه قلق وان وجهه الخشبى لا ينم على اى شعور او احساس , الا ان تحت هذا الوجه احداث جسام تحدث يتفاعل معها الفتى على خير ما يرام وتتكاتف الاقدار فى حلمه حتى تحقق ما يصبو له اينما ووقتما اراد.كان حسن يستغل اى لحظة يختلى بها ونفسه حتى يعيش حلم اليقظة - مصدر سعادته الاول بل والاخير فى هذه الحياة . كان يحلم وهو يمشى وهو فى الاتوبيس وهو فى الحمام وهوعلى المقهى فى كل مكان يمكن ان ينعم فيه بسلام من تدخل الاغيار . بأختصار كان الفتى يحيا حياتان , احدهما شديدة البؤس والاخرى شديدة السعادة والبهجة .




فى كل صباح يصحو وحده دون مساعدة من ألة التنبيه . دائما مايكرة المنبه ودائما ما يصحو حسن فى ميعاده وكأن ساعته البيولوجية تأبى عن عدم العمل . فقط هو يصحو مهما كان عدد ساعات سهره فى الليلة السابقة وليس لديه تفسير لذلك . عادة حسن لا يرهق ذهنه بالتفسير . وفى كل صباح يظل جالسا عشر دقائق مرتديا ملابسه بأكملها مستعيدا كل تفاصيل رحلته اليومية الى عمله . سينزل من بيته , مائة واثنتان واربعون درجة عليه ان ينزلها . بعدها يسير ما يوازى الخمسمائة متر او ما يقارب السبعمائة خطوة او يزيد , حتى يصل الى محطة الاتوبيس وهناك عليه ان ينتظر قرابة النصف ساعة - اقل او اكثر- حتى يأتى الغول المسمى اتوبيس.وحينما يوفقه الله فى الصعود فى باطن الغول عليه ان ينتظر نصف ساعة اخرى حتى يصل الى محطته . ويوكن لزاما عليه ان يسير خمسة عشر دقيقة اخرى حتى يصل الى ابواب المصلحة التى يعمل بها.وحسن هو الاول دائما فى الوصول الى مصلحته الحكومية. واذا ما تأخر واصبح الثانى يوما ما فهذا يعنى انه لن يأتى اليوم الى عمله . يرى نفس الشخوص التى يراها كل يوم ويعلم ان هذا او تلك قد تأخروا عن عملهم على حسب المكان الذى يقابلهم فيه اثناء سيره الى محطة الاتوبيس . يضحك فى اعماقه حين يرى ان شخصا قد فاته الاتوبيس او يراه مهرولا يلهث وراءه . كان يعلم انه علامة مميزة فى الشارع فى الصباح اثناء الرحلة بل يكاد يجزم ان الناس يعتبرونه ميقاتا لهم لمعرفة مدى تأخرهم او ابكارهم.