تأخرت كثيرا فى كتابة التدوينة التى تقرؤنها الأن , طاحونة الحياة لا تجعل المرء منا يختلس الا بضع دقائق للتدوين .
والواقع أننى تناولت بعضا من الافكار المطروحة فى التدوينة سابقا فى تعليقات لى على مدونتى ومدونات اخرى ووجدت أن تعليقاتى تلك من الابهام والغموض ما يجعل على لزاما أن أتناول الأفكار فى تدوينة مستقلة .
فى تدوينة اليوم أتناول بشيىء من التحليل والنقد ما يسمى بالكتابات الشابة الجديدة ومستعرضا للظروف التى جعلت من كتابات هؤلاء الشباب تظهر ظهوراأعتبره نبتا شيطانيا لا أساس له
معتبرا رواية أحمد العايدى(أن تكون عباس العبد )مثالا صارخا على نوع جديد من الكتابة بدأ يغزو حياتنا الثقافية
ملحوظة / كاتب التدوينة لا يحمل شهادات عليا فى النقد الادبى وان كان يحمل احساسا يظن أنه يمكنه من تبين الردىء والجميل .
مدخل تأسيسى /
أهم خاصية من خصائص العمل الروائى أو أدب الرواية هو استخلاص أجزاء كثيرة من الحياة الواقعية لأى مجتمع انسانى على المستويين المادى والروحى ،وهذه الأجزاء المستخلصة تكون بمثابة مادة خام تتفاعل مع وعى وموهبة الكاتب ونظرة الكاتب الى الواقع او الحياة الواقعية التى جلب منها مادته الأبداعية الخام .
ونحن حين ننظر الى عمل( أحمد العايدى) نلمس أشياءا أخرى لا نستطيع توصيفها بدقة فهو يهدم بكل أحتراف كل مفاهيمنا السابقة عن كيف يبدع الروائى عمله ؟ وهو حتى يهدم كل وسائل النقد المعروفة فلا تستطيع أن تتناول النسق السردى بشيىء من النقد أو حتى تتبنى التحليل المضمونىcontent analysis متعدد الجوانب وسيلة لك تعينك فى تحليل العمل , أوتستخلص من عمله قيمة ما سوى التسلية التى تستطيع أن تحصل عليها حين تقرأ كتابات نبيل فاروق أو خالد توفيق .
والحقيقة ما أستفزنى اكثر وجعلنى أهتم بهذا العمل وأنفق عليه وقتا قراءة وتدوينا الأن هو ان البعض يعتبر الأخ (أحمد العايدى) لأكثر موهبة من نجيب محفوظ ( هكذا قال لى أحد أصدقائى ) وهو ما جعل الدم يفور فى عروقى ويظهر تساؤلا عملاقا فى رأسى وهو( لهذا المدى صار الاستهبال فى تقييم الادباء ؟) شيىء فى منتهى السخافة حين تقيم كاتب شاب - ابن امبارح- بتاريخ طويل وعريض مثل نجيب محفوظ وكأنك قارنت بين سلحفاة مبتورة الأرجل وبين سيارة بورش . والسخيف فى الامر ايضا حين تقيم الأدباء بتراتب ما فتقول أن فلان اكثر موهبة من فلان بثلاث او أربع مرات . ليس هكذا نقيم الأدباء وهل نحن فى سباق ؟. وهل الموهبة الأدبية من التباين والأختلاف بحيث تجعل فلانا أفضل من الاخر بمرتين أو عشر مرات .؟ لاحظ ان تقييم الشباب يأخذ منحنى معلوماتى بحت .
مالسر وراء حالة الانبهار الشديدة لعمل احمد العايدى - لا استطيع ان اطلق عليه لفظة رواية حتى الأن - ؟ لماذا اصبح تذوقنا للرواية تذوق يعتمد على الحبكة والاثارة والسرعة لا على الحس الذوقى وجمال السرد وبراعة التوصيف ؟ هل مثل هذه الكتابات بداية لمرحلة ادبية ما ؟
سنحاول الان سويا ان نلقى الضوء على بعض هذه التساؤلات .
مدخل نفسى /
بعيدا عن دراسات كارل جوستاف يونج عن اللاوعى الجمعى اتحدث ، واقترابا من الزاوية السوسيولوجية للادب لجوليا كريستيفا وكلود دوشيت ،من ان هناك نوع ما من اللاوعى الاجتماعى موجود فى كل نص ادبى تفاعل مع لاوعى الكاتب وما يناظره فى الواقع من لاوعى نصى لدى القراء ، ندرك تأثير وتقبل النص من الجمهور .
والفكرة ببساطة انه عن طريق اللاوعى النصى او الفنى او الادبى بالعموم تستطيع ان تفسر سر تقبل المتلقى للعمل الفنى او الروائى او اى عمل ابداعى . وقد يكون هذا الامر على مستوى كاتب واحد او على مستوى مجموعة من الكتاب .
مثال على ذلك / تقبل الجمهور لاغانى البوب العربية جاءت من خلال وجود لاوعى موسيقى تم تدشينه وتكريسه على مدى زمنى طويل من موسيقى البوب الغربية .
من هذه الرؤية نستطيع ان نفسر سر الانبهار لعمل احمد العايدى ففى منتصف الثمانيات - ان لم تخنى الذاكرة - ظهرة سلسلة من الكتابات اطلق عليها اسم روايات مصرية للجيب تأليف دكتور نبيل فاروق ، وعلى مدار اكثر من عشرين عام تعاطى شبابنا قراءة هذه الاعمال بما فيها من معلوماتية شديدة معتمدة على الاخبار بالفعل الدرامى فقط دون الخوض فى جوانب الشخصيات اى ان الفعل الدرامى هنا هو سيد الحكاية بلا منازع ، شانها فى ذلك شان اى رواية بوليسية اعتمادها الكلى على الاثارة والحبكة البوليسية .
وتفنن نبيل فاروق فى التركيز على جانب التشويق تماما كما تراه فى الافلام البوليسية حتى انه - وهذا من احد مدمنى رواياته - يتعمد الا ينهى روايته مستطولا لها وواضعا البطل فى كل مرة فى ازمة مستحيلة تجعل القارىء مشتعلا حتى يصدر الجزء التالى للرواية وهكذا دواليك .
انتشرت ه الروايات وظهر كتاب اخرين مثل احمد خالد توفيق - اكثر ابداعا من نبيل - وايضا كانت السمة فى هذه الكتابات هى المعلوماتية المعتمد على الفعل الدرامى وليس الغوص فى الشخصية او حتى خلق موقف درامى يجسد ازمة وجودية للشخصية
باختصار لو اردنا ان نصف هذا النوع من الكتابات لاطلقنا عليها اسم ( ادب المراهقين )
خلقت هذه الكتابات نوع من اللاوعى النصى لدى القراء وميلا تجاه تقبل اى عمل يعتمد على الاثارة والتشويق والحبكة البوليسية والشكل لا المضمون والانعكاس المعنوى والحسى للمجتمع . فقط اثارة
ونحن لا نجد اى اختلافا بين عمل احمد العايدى والاعمال السابقة من كتابات خالد توفيق ونبيل فاروق سوى ان عمله يقع فى منطقة النوفيلا او الرواية القصيرة ان صح التعبير وهذا فى الحجم فقط ،فجوهر النوفيلا الذى نعرفه من ادب بهاء طاهر وصنع الله ابراهيم على سبيل المثال لا الحصر يختلف عن ما شاهدناه فى عمل العايدى - لفظة شاهدناه متعمدة وسيجيىء حينها - فعلى حد تعبير د. عبير سلامة ( جوهر النوفيلا ان فيها وحدة عالية التركيز ما بين الهدف والتصميم . لان الشخصية والحدث والموضوع واللغة يركزون جميعا على مساءلة واحدة ذات طبيعة جدية ومغزى عام ) والنوفيلا عادة ما تعتمد على انعكاس درامى للحدث ومنه تتفجر الاحداث وتتم ارادة الكاتب ووعيه فى التركيز على مجموعة الاحداث بشكل مغاير للرواية .
تزواج الفنون /
هل تذكرون حين تزاوج الشعر والنثر فانجبا مسخا اسموه ه قصيدة النثر ؟ هل تذكرون حين تزاوجت موسيقا المقامات العربية بموسيقا الهارمونى الغربية فانجبا مسخا اسموه الاغانى الشبابية ؟
الان نشهد تزاوجا فريدا بين السينما والرواية ، بالطبع انتم تستغربون من حديثى لكنى ما اراه الان وما رأيته فى عمل العايدى هو تزاوج سينمائى روائى .
اولا اذا نظرنا للعمل نشعر انك تشاهد فيلما سينمائيا ليس لان الكاتب -والعياذ بالله- امتلك من الموهبة اللغوية والسرد ما جعلك ترى بعينك ما يراه ، ولكن لان الكاتب اعتمد على اسلوب سينمائى شهير فى بنية عمله وهو اسلوب twist action لااجد ترجمة امينة لهذا الاسلوب ولكن هو يعتمد على ان يخدع المخرج او السيناريست المشاهد بوضعه على سياق درامى معتاد يتوقعه ذهن المشاهد ثم فى نهاية الفيلم يكتشف المشاهد انه ولا مؤاخذ ه حمار بذيلين ) وان المخرج اعطاه سياقا اخرا مغايرا لما توقعه المشاهد وقد دلل على ببعض المشاهد التى فاتت بسهولة عن عين وانتباه المشاهد
مثال / فيلم الحاسة السادسة لبروس ويلز ، طيلة الاحداث ان مقتنع ان البطل حيا يرزق وفى النهاية تكتشف ان البطل مات وهذا شبحه وان المخرج قد اعطاك مفاتيح اللغز وانت لم تراها جيدا مثل ( عدم استطاعته فتح الباب ) ( عدم رد زوجته عليه ) الخ
مثال اخر / فيلم نادى القتال - وهو الفيلم الذى اقتبس منه احمد العايدى روايته بلا مواربة او تجنى ، بل اذهب الى القول ان اى احد يقول ان هذا العمل ليس مقتبسا من الفيلم وليس الرواية - لان احمد العايدى اجزم انه لا يجيد القراءة - لايفهم فى الادب شيئا .
هذا ما شاهدته فى عمل احمد العايدى ، فالقصة تسير لتقنعك ان هناك ثلاث اشخاص ( عبد الله - عونى - عباس ) ثم يرمى لك الكاتب فى طيات خربشته الغاز اعتمد فيها على اساليب الطباعة الكومبيوترية الحديثة والفونطات المختلفة وهو بذلك ابدع ايما ابداع ، وكأن الابداع هو اسلوب عرض الكلمة على القارىء وطرح الغاز عليه تبدو سهلة بعد نهاية القصة وكأن الكاتب قد اقام الحجة على القارىء قائلا ( اهوه انت حمار وانا كنت بقولك طول القصة )
مثال / ( انـــــــــــ(داخـــ(انا)ـــــل)ــــــــا)
مثال/ {عبــــ(عونى)ـــــــاس }
وهذا الشكل لا يفهم الابعد ان تنتهى من الرواية
اى ان الكتابة الحديثة تعتمد على ما يراه القارىء فوق ورق الرواية ليشكل الفونط والكتابة الكومبيوترية ولغة الشات اسلوبا جديدا فى طرح روائى يعتمد فقط على المعلومة والشكل والاثارة والحبكة
من هنا حدث ما اسميه تزاوجا بين السينما والرواية ولعلك تشعر انك تشاهد فيلم وانت تقرأ الرواية بل ان الرواية لن تجهد اى سيناريست فهى تقريبا سيناريو
النبت الشيطانى / نعم نبتا شيطانيا لا اصل له، ألم يصرح احمد العايدى لجريدة اخبار الادب انه لا تعجبه اعمال نجيب محفوظ وان كل ما قرأه من محفوظ هو بضع روايات وان الشباب الان لا يستطيعون قراءة محفوظ فليس لديهم الوقت لذلك وان الشباب فى حاجة الى كتابات مغايرة سريعة تقرأ فى وسائل الموصلات ولا تستزف اوقاتهم ( على اساس ان الشباب مش فاضيين ) ؟
احمد العايدى لا تعجبه اعمال محفوظ ولا اعتراض على ذلك ولكن ان تكون روائيا ولا تقرا محفوظ كله حتى وان لم يعجبك وتتدعى بعد ذلك انك مبدع ، فأنت بذلك مدعى وليس مبدع
حتى جيل الستينات من الروائيين المبدعين الذى رفعو شعار انهم جيل بلا اساتذة واسسوا لنوع جديد من الحساسية مغايرلحساسية توفيق ومحفوظ ، اقول حتى هؤلاء كانت اعمالهم تشهد لسابقيهم بالعرفان والحب
وهل هذا النبت الشيطانى سينجو ويستمر ؟ هل سيصدق جوناثان كاللر حين قال ان وجود القارىء المثالى ممكنا ؟- عدل كاللر من رأية وقال باستحالة وجود القارىء المثالى - هل سيكون لدينا قارىء يتلقى الجديد دون اى صلة او اتصال مع ما مضى من تراكم ادبى وفنى ومجتمعى ؟
الغباء / لا اتحدث الان عن حالة الغباء التى يوحى بها الكاتب للقارىء عن طريق هذه الكتابة الحديثة ، وانما اتحدث عن غباء الكاتب نفسه فى معالجته للبنية السردية وعدم استغلال طرائق التعميم المعتادة لطرح القضية بشكل أعم والتخلى عن التخصيص الشديد
من اساليب السرد الادبى هو تجهيل اسم البطل او الرواى منذ البداية الى النهاية ، والتجهيل هنا يخلق نوعا من التجريد مما يختزل ملامح الشخصية الى ملمح واحد اساسى ، ويصبح الخاص متواريا والعام واضحا وجليا ، لتنسحب شخصية البطل على جميع القراء .
والحقيقة كنت اود ان اجد شيئا ايجابيا واقوله فى ثنايا التدوينة ولكن منعنى غباء الكاتب للاسف الشديد
فالرواى يظل مجهولا لنا طوال الرواية حتى تستشعر ان الكاتب خلق مستوى تجريدى معقول لتحقيق ما سبق اعلاه ولكن نفاجا جميعا فى ظل السياق العبثى اللعمل انه قد صرح باسم الرواى ( عبد الله ) ، ولا حول ولا قوة الا بالله
امرا اخرا وهو عدم وجود غطاء نقدى لمثل هذا النوع من الكتابات وهو امرا غريب ، فمن الطبيعى ان يتواجد الناقد الذى ينظر لهذ النوع من الادب وان يمهد له وان يدافع عنه ولكن كل ما رأيته هو بعض الصبيان الذى لا يمتلكون من الحس النقدى سوى التهليل ، حتى مفرادتهم لا تسعفهم فى طرح افكارهم ، احدهم - احد النقاد المدافعين عن احمد العايدى - كان يقول استاذى نبيل فاروق ، ماذا ننتظر من هؤلاء سوى التهليل .
نعرف انه عندما يظهر نوع من الكتابات الجديدة يظهر معها ما يعضدها ويساندها وينظر لها ، ولكن ما رأيته حتى الان ليس سوى تهريج فلم تقع فى يدى اى دراسة نقدية تتناول هذا الشكل من الكتابات ، وكل ما يقولونه هو ان احمد العايدى يمثل شكلا جديدا من اشكال الكتابة .
ونحن قد نتقبل هذا العمل بشكله الحالى - اذا وضعناه فى حجمه الطبيعى تماما مثلما نضع رواية مثل (دافنشى كود ) تعتمد على الاثارة والحبكة .
وبالنسبة للغة الحوارية فى العمل اعتمد الكاتب على لغة قريبة جدا من الشباب وصدقا هو نجح فى جعل العمل اقرب للشباب بهذه الطريقة فالحوار بالعامية وليست اى عامية بل هى عامية شباب اليوم ولعل هذا يعد سرا اخر من اسرار انتشار الرواية فى اوساط الشباب
ام بالنسبة للغة السرد فلنا وقفة قصيرة :
الابهام هو المتسيد فى لغة السرد وهو ما يزيد الشعور بالغباء لدى القارىء ويبدا فى نسج الاسئلة المعتادة مثل ماذا يعنى الكاتب بهذه الفقرة مثلا ؟ ففى بداية كل فصلا تجد فقرة مبهمة لا تستطيع ان تعقلنها فى سياق الرواية حتى بعد ان تنتهى من قراءتها مثل بداية الفصل الثانى :
اقتباس /
لا تصدقها
ستخبرك عن اشياء لم ارتكبها ، وستبكى بين ذراعيك لعل قلبك يرق او يعفو ...
وستعطيك من نفسها ما يبدل حالك ،وانت تعلارف كم يمكن لامراة تجيد المنح ان تأخذ
تلك هى الحقيقة بقسوتها فافعل ما يحلو لك
هذه البداية لا اجد لها رابطا مثلا بالفكرة العامة للعمل وهى انه فى عالم اليوم بلغ منا الزيف والتزلف والنفاق مبلغه فصرنا نرتدى اقنعة تحمل وجوها مزيفة لا تدرى اين الحق فيها فالكل فالصو مزيف يلعب دورا غير دوره والكل يحاول ان يسوس الاخر دون ان يعلم انه هو من يساس وفى عالم اليوم تتسلع المشاعر والاحاسيس لتأخذ شكل البضاعة التى تباع وتعرض فى دورات مياة المطاعم والفنادق ، فنمرة التليفون تعرض فى مكان حقير ( دورة مياة ) من اجل اقامة علاقة من المفترض انها انسانية
ثم تأخذ العلاقات الانسانية شكلا اخرا فلم تعد علاقة وجه لوجه بل علاقة موبايل وتليفون
وتعاقدية نراها فى المولات الضخمة والاسواق
وحالة الفصام للشخصيات الثلاث هى دليل على اتخاذ الواقع لاكثر من صورة حتى تتوه المعالم والملامح الاساسية فى حياتنا
هكذا ارى الفكرة العامة للعمل ولكن ما علاقة ما نقرأه فى بداية كل فصل من خزعبلات فمثلا فى بداية العمل تشاهد العايدى وقد كتب بفونط مختلف الاتى :
( مقدمة يمكنك لحسها او تخطيها ....)
وهكذا تم تدمير وتخريب اليات ابداع العمل الروائى فيصبح المجال متاحا لكل من اراد ان يكتب شيئا ليصبح كاتبا امهر واكثر ابداعا من الحكيم او محفوظ او طاهر او اى احد فى الدنيا
ختاما ارجو الا اكون قد تجنيت على هذا العمل وان اكون قد طرحت جديدا فى هذه التدوينة
السبت، 12 سبتمبر 2009
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)