الأحد، 25 يناير 2009

قول يا مصرى

منذ فترة قرأت تدوينة للعزيز الكسندريان ( ياسر ) صاحب مدونةAway of Alexandria بعنوان ( اعتذر منكم ), بتاريخ الاحد 24/8/2008 ,وعادة عندما اقرأ اتمهل كثيرا محاولا ربط ما قرأت بواقع تاريخى عن الشخصية ثم بواقع انى او حالى وهو ما فعلته بعد مرورى بهذه التدوينة . والواقع ايضا ان تدوينات ( ياسر ) ومنذ فترة تشغل تفكيرى ربما لانها تمثل اليسارية الغير قابلة للتحالف مع ايا ممن يخالفون دوجمائيتها وهو الامر الذى يستحق التفكير والتمعن فى كتابات شخصيات يسارية مثل العزيز ( ياسر ) .
وعلى الرغم من الصدمة التى احدثتها هذه المدونة وحالة الاستغراب التى تجسدت فى اكثر من 40 تعليق بدون رد صاحب المدونة , وفى دسامة التعليقات ايضا , الا اننى واحتراما لذاتى اولا ولما قرأت اثرت التمهل وعدم التعليق خصوصا فيما يخص ما كتبه عن الشاعر ( احمد فؤاد نجم ) تحت عنوان لفقرة من التدوينة باسم (حكاية البلياتشو والكتاكيت ) .
ولان خبرتى فى مجال البلوجات تعادل خبرة القارىء فى مجال الصواريخ فلا استطيع ان اضع رابطا للتدوينة , ولكن تستطيعون الوصول للمدونة ككل عن طريق كتابتكم فى جوجل awayofalexandria بدون فراغات كما كتبتها والبحث فى الصفحة الاولى من نتيجة البحث .ولانى لم احصل على تصريح من صاحب المدونة باقتباس اجزاء من فقرته (حكاية البلياتشو والكتاكيت ) أجد لازاما على ان ألخص ما جاء فيها كمدخل لهذه التدوينة .
يقول صاحب التدوينة ما معناه ان خيرما انتجته الحركة اليسارية فى فترة الستينات والسبعينات هم ما يسميهم بالانتهازين الزائفين وعلى رأسهم (نجم ) ودلل على ذلك بعلاقته مع رفيقه ( الشيخ امام ) الذى اكتشف حقيقته ولو متأخرا , ثم دلل على تحالف ما بين الفاجومى و ساويرس الملياردير الشهير .
وهذه العلاقة الاخيرة هى محور تدوينتى .
بادىء ذى بدء لا استطيع ان انكر ان رصيد الفاجومى الشعرى يكاد يكون الاكثر تأثيرا على جيلى , ولا استطيع ان انكر شاعرية الرجل وبراعته فى اختيار الفاظ وصور طالما حازت على اعجابى وعبرت بشكل دقيق ثورية الحركة اليسارية فى مصر فى فترة الستينات والسبعينات . ولكن ما لفت نظرى اكثر هو التوصيف الرائع الذى اعطاه ( ياسر ) ل ( نجم ) وهو البلياتشو بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانى مثل السخرية والسطحية والقدرة على لفت الانتباه وايضا شيىء من الانتهازية وعدم الاتزان .

عندما بدأت عملى كمدرس احتضننى احد امهر المعلمين ممن قابلت فى حياتى وقال لى بالحرف ( المدرس الناجح هو اراجوز بالمعنى النفسى للكلمة وليس بالمعنى المادى لها ) يقصد هنا القدرة على لفت وجذب الانتباه طيلة الوقت للطلاب عبر اساليب واتعابير والفاظ تخطف العين والعقل وتدخل الطالب فى معمعة الدرس دون ان يفتر او يمل . وعندما تمعنت فى لفظة البلياتشو وجدت تشابها شديدا بين البلياتشو والاراجوز من حيث القدرة على التسلية وجذب الانتباه . ولا اعنى هنا جانب السطحية والابتذال .

وهذا هو نجم قبل ان يغير جلده ولونه وطعمه , اراجوزا يأثرك بتلقائيته الفظيعة وعفويته الفطرية , فتستمع له وكأنك تأكل قطعة بسبوسة لاتقوى على انهائها لمجرد التفكير فى انها ستنتهى بعد هذه القطعة الاخير . المهم كان هذا نجم مع الشيخ ( امام ) حالة فريدة من لمس الواقع الحياتى للناس باختياره لكلمات شديدة الواقعية وصور تستلهم منها الكثير .
الا ان الامر تغير بعد ذلك بالنسبة للمتلقى فذهب تأثير الاراجوز النفسى ومكث عندنا تأثيره العبثى والسطحى فقل الزاد ونضب المعين لدى ( نجم ) وحاول استغلال رصيده لدى الناس كبطل شعبى مستغلا صورة دأب على تجسيدها فى اذهاننا , صورة المغضوب عليه امنيا , ولكن هذا لم يجدى جدوه فلجأ للاعلام محاولا استعادة ما كان من صيت فظهر على شاشة قناة Dream TV لفترة وايضا لم تجدى الى ان كان ظهوره على شاشة قناة ساويرس ( ON TV) فى برنامج( قول يا مصرى) .

فى البرنامج نلمس شخصية الاراجوز بأقصى معانيها بعدما انسحبت منها ثقلها او ما كان ثقلها يوما ما . ونلمس ايضا محاولات سخيفة للتأكيد على الهوية الثقافية المصرية بطريقة اشد ابتذالاوسطحية من حيث الطرح والمعالجة . وكأن الهوية الثقافية المصرية تنحصر فى فرقة حسب الله والغوازى والاراجوز وهى بعض من المواضيع التى طرحت فى البرنامج على سبيل المثال لا الحصر . وفى البرنامج يصبح الفاجومى هو المصرى الذى يقول ويستمع له العالمين فيتحفنا بقصيدة مثل قصيدة ( البتاع ) المشهورة بما فيها من ايحاءات والمعنى بالطبع فى فشة الشاعر او بحكاية ثورية من حكاياته والتى ترمى الى معنى واحد وهو ( انا مفيش زايى)ناهيك عن عدم افتقار لابسط مقومات المحاور التلفزيونى من حيث صلابة الاعداد وثقله الثقافى ومن حيث حضور الذهن وعفوية السؤال وشمولية الطرح .
ثم بماذا نفسر هذا التضامن الغريب بين شاعر يدعى اليسارية والثورية وبين ملياردير , وكأنه تزواج بين نملة وديناصور , زواج مستحيل بالطبع يشوبه الكثير .لماذا يتم اختزال شخصية المصرى بكل دسامتها وثقافاتها المتعددة فى هذه الشخصية الاراجوزية , وكأنما نجم هو مثال للمصرى الصميم . وماذا تعنى عبارة قول يا مصرى سوى ذلك .


وياعم نجم التقل صنعة .

الجمعة، 23 يناير 2009

الحرية /مفاهيم / علاقات



اتناول فى هذه التدوينة بعض المفاهيم الفلسفية عن الحرية وعلاقتها بمفهوم الارادة الحرة وصولا وربطا بهذه المفاهيم وفكرة التحرير او التحرر كعمل سياسى , مع التنويه ان رأى صاحب القلم هو مكمل ليس الا ان جاز هذا التعبير.

ملاحظة اخرى /بنية هذه التدوينة عبارة عن بحث قدمته فى عام تخرجى من كلية التربية باللغة الانجليزية وقد قمت بترجمته واستعنت ببعض التراجم على شبكة الانترنت فى التعريفات فقط للتأكد من الصياغة المناسبة للتعريف وهو ما ستجدونه بين قوسين فى التدوينة .






يتناول الفلاسفة مفهوم الحرية بشكلها العام بغض النظر عن الظرف الاقتصادى او السياسى او الاجتماعى وهو ما نجده فى تعليق الفليسوف الفرنسي أندريه لالاند (1867-1963) فى هذا الشأن:

(إن فكرة الحرية المطلقة التي يمكن أن ننعتها بالميتافيزيقية، وخاصة في تعارضها مع الطبيعة تقتضي وجود فعل إنساني محرر من جميع العلل) وهو بهذا التعليق يشير ان الحرية المطلقة هى امكانية القيام بفعل ما فى لحظة ما او الامتناع عن القيام به دونما ادنى تدخل من الاكراهات الخارجية مثل الافراد او الجماعات والاكراهات الداخلية مثل المشاعر والغرائز ....الخ.وهو بهذا المنطلق ينفى وجود ما يسمى بالحرية المطلقة لاستحالة فصل او عزل الانسان عن حتميات لا يستطيع الانسلاخ عنها .

فى حين يعلق الفليسوف ألن بلووم فيقول ( ان البرهنة على وجود الحرية يقتلها كفكرة كامنة فى العقل البشرى ) وهو بذلك يشير الى استحالة البرهنة على وجود الحرية ففى البرهان قتل للفكرة نفسها .

ويمكن لنا ان نعرف الحرية على انها ( اختفاء الجبر) بمعنى ان كل الحتميات تتوارى امام كنه هذا الفكرة من حتميات طبيعية وبيولوجية ونفسية واجتماعية , ولكى يتضح الامر اكثر نقول :

ان القوانيين الطبيعية التى توصل اليها العلم حتى هذه اللحظة تشير الى واقع حتمى يحدد مسار المادة واتجاهها فى هذا المسار او ذاك دونما تدخل حقيقى من المادة , وكذلك ما يحدث من جبر بيولوجى فى اجسادنا دونما ادنى تدخل على الاطلاق ,واكتشاف دور اللاشعور على يد فرويد ودور هذا اللاشعور فى تحديد افعاال البشر بصورة قسرية لا مجال فيها للارادة الحرة بمفهومها المتفق عليه . ودور المؤسسات الجماعية فى تشكيل هذه الارادة وقولبتها بشكل يحد من الحرية الشخصية فى سبيل العمل المؤسسى كعمل جماعى .

فى حين يرى جون بول سارتر (1905-1980) عكس ذلك فيقول ( بعد ان يوجد الانسان يختار ماهيته وهى ماهية متغيرة وفقا لاختيارات الانسان) وهو الامر الذى لا يتوقف عند حد معين والاختيارات الانسانية عملية مستمرة عند سارتر وبذلك يكون الوجود عند سارتر اسبق للماهية , ومن هذا المنطلق فالانسان عند سارتر هو ما يختاره الانسان وما يكون عليه بعد اختياره هذا وليس ما كان عليه الانسان بعد الوجود مباشرة .

ونفس الاتجاه نراه فى رأى الفليسوف ميرلوبونتيه حينما يقول (نوجد أولا في وضعية ما لا نختارها و هي الوضعية التي نرثها لأسباب تتجوز قدراتنا، لكن بعد ذلك لا نظل مكتوفي الأيدي أو سلبيي الإرادة، بل إننا نختار اتجاه أو اتجاهات أخرى غير تلك التلقائية التي وجدنا فيها، وهذا الاختيار انطلاقا من تلك الوضعية الأولية يعبر على أننا أحرارا لا نقبل بالوضعية المعطاة. فالإنسان ليس ميكانيزما ميكانيكيا بسيطا يمكن برمجته، إنه على العكس من ذلك عقدة علاقات)

ويعلق مونيه قائلا (يقاوم الإنسان ضغوطات وعوائق وضرورات تفرضها الحياة , لأنه كائن واعي وقادر على مواجهة وضع ما وتحديه، وفي هذا المواجهة وعبر هذا الجهد المبذول يؤكد الإنسان حريته) وهنا يشير مونيه ان ما يواجه الانسان من مشكلات تفرضها عليه الحتميات السابق الاشارة اليها هو ما يشعر الانسان بفكرة الحرية ويشحذ هممه فى الوصول الى اقصى ما يستطيع الوصول اليه من صيغ الحرية .
********************************************************



فى تدوينة سابقة ( الارادة والتغيير ) تناولت العلاقة الحيوية بين الارادة الحرة والتغيير كأمكانية سياسية , وفى هذا السياق يرى رونوفيى ان ( حرية الارادة هى الاعتقاد بامتلاك القدرة على فعل ما بحيث تكون الافعال الصادرة عن وعى الانسان غير محددة مسبقا بما فى ذلك وضعيته قبل الفعل )
وفى حجة الانتباه يقول ديكارت ( يمكننا ان نعرف حرية الارادة بدون حجج فهى تعرف بدون براهين وعن طريق التجربة التى نتعلمها منها ) وهو بذلك يرى ان الانتباه هو حجة وجود الارادة , فنحن نعيش فى وعينا تجربة حرية الارادة اللامحدودة , فنلجأ فى بعض الاحيان الى رفض القيام بشيىء ما للتأكيد على هذه الحرية .
فى حين يرى ليبنتز ( ان ما يؤكد على وجود هذه الحرية - حرية الارادة - هو ما يمكن تسميته بالاحساس الداخلى الحيوى لحرية الارادة , اى اننا نعيش فكرة الحرية بشكل قسرى او احساس مسيطر .
اما مين دو بيران فيدلل على وجود حرية الارادة من خلال ما يسميه بالجهد العضلى ويضع مثال على ذلك فيقول (أرفع كرسيا إلى الأعلى فأحس بألم في ذراعي ورغم ذلك يمكنني إن أردت الاستمرار في بذل الجهد فأنا لست فقط جسما منقبضا ومتألما ولكنني إرادة متفوقة على الجسم تستمر في بذل الجهد رغم الألم.)
ويرى بوسيهان ما يسمى بالفعل المجانى او الفعل الذى لا سبب له ولا دافع هو الدليل على وجود حرية الارادة (.فلكي نحس بحرية إرادتنا يجب أن نبرهن عليها بفعل نقوم به بدون سبب أو داع أو باعث) كأن تقول مثلا اذا ما يأتى صديقى قبل موعدا ما فسأدخن سيجارة
يرى سبينوزا ان( وهم حرية الإرادة ناتج عن الوعي بفعلنا مقرونا بجهل الأسباب التي تتحكم في وتحدده) اذن هى مسأءلة مرتبطة بالوعى فقط وقدرة هذا الوعى فى استيفاء الاسباب الحتمية كما يقول سبينوزا .
اما كانط فيربط بين حرية الارادة والواجب الاخلاقى ويميز بين الضرورة والواجب الاخلاقى فبين سقوطك فى حفرة وبين امرك لابنك بعدم الكذب فارق كبير . وبذلك فهو يعتبر الحرية شرطا للواجب الاخلاقى .
ويرى صاحب التدوينة ان الحرية لا يمكن تحقيقها بشكل فردى او بمعنى اخر لا يشعر بها الانسان بوجوده فردا وانما تتاكد الحرية فى وتتجلى فى الجماعات وليس الافراد فهى توجد بالتعدد وليس بالمفرد, ومجرد تجريد الفكرة كقولنا , هل الانسان حر ام لا ؟
غير مقبول . فالحرية هى نتاج تحرير الانسان لنفسه اولا من جراء بحثه عن اختيار افضل من متعدد ومتنوع وهى عملية مستمرة لا وقتية .
********************************************************
مدخل أدبى :
قدم الشاعر الامريكى والمسرحى ( إفريت ليروى جونز ) مسرحيتان بعنوان The slave والاخرى Dutchman وهى من اجمل ما قرأت فى حياتى عن واقع الزنوج فى الولايات المتحد الامريكية فى فترة الستينات واحد الامتدادات الادبية لحركة تحرير الزنوج على يد الزعيم الاسود الاشهر مارتن لوثر كينج ., وعلى الرغم ان منهاج( افريت ليروى جونز) او ( اميرى بركة ) يشبه الى حد كبير نهج الزعيم الاسود( مالكوم اكس) من حيث اللجوء للحل العنيف للتعبير الا اننى ارى ان ( كينج ) كان المفتاح او الباب لكثير من الحركات التحررية فى امريكا .
فى مسرحيته Dutchman يجسد بركة شخصية الاسود فى امريكا بشخص يحمل فى جوانب شخصيته الكثير من اسطورة داتشمان الرجل المسافر دوما وتدور الاحداث فى مترو الانفاق للدلالة على عدم الاستقرار والرحلة التى يعيشها الزنجى باستمرار ويجعل بركة الشخصية البيضاء الوحيد فى المسرحية متجسدة فى انثى تحمل عيون شيطان من ناحية الاغواء وتعرف كل ما يدور فى خبايا وجدان الزنجى فى دلالة على سيطرة الشخصية البيضاء على الشخصية السوداء . فى مسرحية The slave يتجسد العمل الثورى والتحررى لشخصية الزنجى حين يبدأ فى التحرر فى كل ما يربط ذاته بواقع يرفضه فتبدأ المسرحية بقتل البطل لاسرته وهو ما يشير الى رفض الزنجى لكل ما يربطه بواقع العبودية المرير .
فى مسرحيتها الشهيرة( approaching simon ) تجسد الرائعة Meg Terye خبرة سيمون ديبوفوار فى التحرر من قيود الظلم الذكورى بصيغة تكاد تكون الاكثر تأثيرا بالنسبة لى على المستوى الشخصى , حيث اعتمدت على تكنيك مسرحى كان يعتبر هو الاحدث وقت عرض المسرحية وهو طريقة snap shots حيث لا تسير الاحدث على منوال معتاد ولكن عبارة عن فقرات من حياة سيمون تتقافز ما بين الطفولة والمراهقة والنضج واستخدمت Meg ولاول مرة الجمهور كعنصر مسرحى . فى المسرحية تتعرض سيمون للضغوط الذكورية من البداية وهو ما تراه امورا حتمية كجنسها كأنثى او قدرتها العضلية مقارنة بأخيها وهو ما يشكل اطار يحد من حرية الارادة عندها وتنتهى المسرحية بتساؤل مفتوح يعلق فى عقل المتلقى وهو هل هذه الحتميات التى لا قبل للمرأة ان تتدخل فيها هى العائق الوحيد امام تحرر المرأة ام ان نظرة المجتمع الذكورى هو العائق الاساسى وبتغيرها يتغير مصير المرأة .
*******************************************************
من خلال هذا المدخل الادبى السابق ارى ان ما يمكن تسميته بعملية التحرر من ناحية سياسية لا يرتبط بالضرورة بوجود احتلال اجنبى على ارض ما . بمعنى ان فكرة التحرر بشموليتها لا يمكن ان تقتتصر على طرد المحتل وانما هى عملية شمولية تبدا بالفرد كنواةلأبسط الجماعات الانسانيةوتنتهى الى الجماعة الاكبر وتحددها علاقة هذا الفرد بالاخر وهو من يكبل حرية الانسان بحتميات اجتماعية او اقتصادية او سياسية . فالتحرر من القيم العفنة يعد قيمة من قيم الحرية وكذلك التحرر من ظلم النخبة ...... الخ .وكى تتم عملية التحرر الى النتيجة الحتمية لها وهى الحرية لا بد من وجود درجة من الوعى بوجود ازمة لدى الانسان اولا . بمعنى لا نستطيع ان نتناول مفهوم التحرر ونطبقه على مجتمع لا يستشعر ما يعانيه من عبودية , ولا يجد ما يستلزم ان يمد ارجله ويتحرك ا ويحرك. الاهم هنا هو ان يشعر الانسان فى سياق جماعته بأزمة ما تقوده الى تغيير وضعيته الحالية للوصول الى وضعية افضل . والتحرر او التحرير هنا لا بد له من عمل مؤسسى يدعمه , والعمل الفردى هنا فى هذه الحالة نرى انه لا طائل له والتاريخ يثبت ان حركات التحرير كلها سارت فى منحى الجماعات وليس الافراد .

الأربعاء، 14 يناير 2009

لغزة رب يحميها !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


انتظرت طويلا اغالب دافع قوى للكتابة عما يحدث فى غزة من احداث وما لها من مردود سياسى , ربما لانى فى حالة صدمة مما يحدث من هول القتل والدمار الذى اراه يوميا على شاشات الفضائيات . وربما لان تعليقى عما يحدث يستلزم الاناة, فكل يوم فيه جديد , وكل يوم تتغير الاحوال , فلننتظر ونرى ما ستجرى عليه الامور .
ولذلك سيكون تعليقى وموضوع التدوينة على مستوى وطبيعة تعاطينا لما يحدث هناك . لن اعلق على تواطىء النظام المصرى ضد شعب اعزل نظير هزيمة لحماس الاخوانية ورهانه المشهود على الجيش الاسرائيلى , ولن اعلق على موضوع فتح معبر رفح , او موضوع الاجندة الايرانية فى المنطقة , او حتى انقسام الا نظمة العربية على نحو غير مسبوق تجاه ما يحدث فى غزة . وقبل ان اهم فى شرح وجهة نظرى فى تعاطينا للموضوع ارى لزاما على ان انوه اننى فى الاول و فى الاخر اقف على الجانب الاخر امام حماس كمنهج , الا اننى اقف معهم كأصحاب حقوق مشروعة فى الدفاع عن ارضهم .

مدخل تأسيسى : من اسس الفكر السلفى الوهابى عدم الخروج على الحاكم والدعاء له وليس عليه والانصياع لارادة الحاكم طالحا كان او صالح , فهو ولى الامر ووجبت له الطاعة وعدم الخروج عليه , بدعوى ان الخروج عليه ومناهضته له اضرار ومفاسد اكبر وتلافيا لذلك فالافضل عدم معارضته . والسلفى هنا عندما تواجهه بظلم الحاكم ومولاته للاعداء وعمالته بالادلة والمنطق يقدم لك حلا سحريا لا تستطيع ان تقاومه وهو ان تبدأ بنفسك اولا وتلتزم بتعاليم الدين الحنيف وقد يقاطعك اثناء حديثك متساءلا ( هل صليت الفجر اليوم فى جماعة ؟) والواقع ان العلاقة بين الصلاة والالتزام بالدين وبين تأمر الحكام والانظمة شيىء غير منطقى وكأن الحل فى ان اصلى الفجر فى جماعة وان صليت فسترى الدنيا بمبى بمبى بمبى مع الاعتذار لسعاد حسنى .
لعل نجاح محمد بن عبد الوهاب فى نشر دعوته هو فى احتضان ال سعود لمنهجه وجعله نبراسا ومرجعا دون الالتفات الى المناهج الاخرى الغير حنبلية .فقد وجد ال سعود بغيتهم فى منهج يجعل الناس كقطيع اغنام يسيرون وراء راعيهم وخلفهم كلاب الراعى تعوى تحض الغنم على عدم الخروج من الصف . ولعل انتشار الفكر الوهابى فى مصر الان من اسبابه احتضان الامن والنظام له لضرب فكر مناوىء له وهو فكر الاخوان المسلمين , فترى الفضائيات التى تعج بشيوخ وهابيين يؤصلون لهذا الفكر المتخاذل المستأنس والذى يحول الناس الى حيوانات داجنة لا تناقش ما تراه من النظام الحاكم من فساد وسرقة وعمالة بل ببساطة تدعو له . فلذلك ليس غريبا ان يطلع علينا الشيخ محمد حسين يعقوب فى اثناء ضرب غزة واشتعال النار فى صدور الناس فى مصر بسبب عدم فتح المعبر ودخول المساعدات , قائلا ما معناه ماذا سنجنى لو خرجنا وقتل من المصريين من قتل ؟ وانه ضد المظاهرات وان على سوريا ان تفتح معابرها وكذلك لبنان ( يبدو ان مولانا الشيخ لا يعرف شيئا عن الجغرافيا وان قطاع غزة ليس له معابر على سوريا او لبنان فهو فى وسط فلسطين وان المعبر الوحيد الذى يطل على دولة عربية هو معبر رفح ) .
ملحوظة : غير الشيخ لهجته وكلامه فى حلقة اخرى فى قناة الرحمة .
الواقع ان ما يفعله هؤلاء المشايخ الان هو تعليم الناس مصمصة شفائفهم ووضح انوفهم فى التراب لمجرد انه لا يصح ان نضغط على حكوماتنا بمظاهرات او بأى مظهر من مظاهر الاعتراض .
مدخل ادبى :
فى عام 1949 كتب الرائع صمويل بيكيت الحائز على نوبل مسرحيته الخالدة ( فى انتظار جودو ) ( waiting for godot) وعرضت عام 1953 محدثة تأثير كبير ومؤصلة لما اتفق على تسميته الفكر العبثى من جراء الاعتماد على الماوراء طبيعى . فى المسرحية تنتظر الشخصيتان الاساسيتان شخص يسمى جودو , وعلى الرغم من عدم وجود احداث فى المسرحية ولا يوجد شيىء غير حوار مبتور غير مفهوم لا يسمن ولا يغنى من جوع , كل ما تفعله الشخصيات هو انتظار جودو , والى نهاية المسرحية لا يأتى جودو المنتظر الذى يستطيع ان يفك ازمة الشخصية . وفى انتظارهم لجودو هذا ترى مدى العبث واللامعقول من افعال الشخصيات حتى اللغة تم تحطيمها فى سياق عبثى اخاذ فريد .
ملحوظة : Godot هو التحريف اللفظى لكلمة God . واعتمد بيكيت على لغة الجسد بشكل فريد محطما لقواعد اللغة وضاربا بها عرض الحائط .
لا يأتى جودو ولن يأتى جودو ليحل المشاكل للبشر وعلى البشر ان يعتمدوا على انفسهم فى حل ما يواجهون من ازمات انسانية .
ان الفكر السلفى الوهابى الان يجعل الماوراء طبيعى والغيبى حلا لما يحدث من عبث نعانى منه , ادعو لهم واقبعوا فى بيوتكم مصليين و صائمين ولا تقولو لحكامكم ماذا تفعلون , ارضوا بالامر الواقع وانتظرو الفرج من السماء , ففرج الله ات لا محالة . لماذا يتشدق السلفيون بالاخوة فى الاسلام ليل نهار ويتركون اخوانهم فى غزة يعانون الامرين ؟ لماذا لا يضغطون على الحكام فى وسائلهم الاعلامية وهم يقدرون على ذلك ؟ وصل الامر بأحد رموزهم الشيخ ( اسامة القوسى ) ان يتبرأ من كل شخص يخرج فى مظاهرة مؤيدة لاهل غزة . هل نخشى ان ندين اسرائيل وان نقف مع اهل غزة فقط لان حماس اخوانية . فى حرب تموز واثناء ضرب لبنان بالقاذفات القذرة الاسرائلية كانت هناك اصوات من مشايخنا الافاضل معظمهم ان لم يكن جميعهم , ان لا يجب ان نناصر حزب الله الشيعى لانه شيعى . والان لا يجب ان نناصر حماس لانها اخوانية . ان كان الحق مع حزب الله فأنا شيعى وان كان الحق مع حماس فأنا اخوانى وان كان الحق مع كائن ما كان فأنا معه .

وحيد جهنم