الجمعة، 23 يناير 2009

الحرية /مفاهيم / علاقات



اتناول فى هذه التدوينة بعض المفاهيم الفلسفية عن الحرية وعلاقتها بمفهوم الارادة الحرة وصولا وربطا بهذه المفاهيم وفكرة التحرير او التحرر كعمل سياسى , مع التنويه ان رأى صاحب القلم هو مكمل ليس الا ان جاز هذا التعبير.

ملاحظة اخرى /بنية هذه التدوينة عبارة عن بحث قدمته فى عام تخرجى من كلية التربية باللغة الانجليزية وقد قمت بترجمته واستعنت ببعض التراجم على شبكة الانترنت فى التعريفات فقط للتأكد من الصياغة المناسبة للتعريف وهو ما ستجدونه بين قوسين فى التدوينة .






يتناول الفلاسفة مفهوم الحرية بشكلها العام بغض النظر عن الظرف الاقتصادى او السياسى او الاجتماعى وهو ما نجده فى تعليق الفليسوف الفرنسي أندريه لالاند (1867-1963) فى هذا الشأن:

(إن فكرة الحرية المطلقة التي يمكن أن ننعتها بالميتافيزيقية، وخاصة في تعارضها مع الطبيعة تقتضي وجود فعل إنساني محرر من جميع العلل) وهو بهذا التعليق يشير ان الحرية المطلقة هى امكانية القيام بفعل ما فى لحظة ما او الامتناع عن القيام به دونما ادنى تدخل من الاكراهات الخارجية مثل الافراد او الجماعات والاكراهات الداخلية مثل المشاعر والغرائز ....الخ.وهو بهذا المنطلق ينفى وجود ما يسمى بالحرية المطلقة لاستحالة فصل او عزل الانسان عن حتميات لا يستطيع الانسلاخ عنها .

فى حين يعلق الفليسوف ألن بلووم فيقول ( ان البرهنة على وجود الحرية يقتلها كفكرة كامنة فى العقل البشرى ) وهو بذلك يشير الى استحالة البرهنة على وجود الحرية ففى البرهان قتل للفكرة نفسها .

ويمكن لنا ان نعرف الحرية على انها ( اختفاء الجبر) بمعنى ان كل الحتميات تتوارى امام كنه هذا الفكرة من حتميات طبيعية وبيولوجية ونفسية واجتماعية , ولكى يتضح الامر اكثر نقول :

ان القوانيين الطبيعية التى توصل اليها العلم حتى هذه اللحظة تشير الى واقع حتمى يحدد مسار المادة واتجاهها فى هذا المسار او ذاك دونما تدخل حقيقى من المادة , وكذلك ما يحدث من جبر بيولوجى فى اجسادنا دونما ادنى تدخل على الاطلاق ,واكتشاف دور اللاشعور على يد فرويد ودور هذا اللاشعور فى تحديد افعاال البشر بصورة قسرية لا مجال فيها للارادة الحرة بمفهومها المتفق عليه . ودور المؤسسات الجماعية فى تشكيل هذه الارادة وقولبتها بشكل يحد من الحرية الشخصية فى سبيل العمل المؤسسى كعمل جماعى .

فى حين يرى جون بول سارتر (1905-1980) عكس ذلك فيقول ( بعد ان يوجد الانسان يختار ماهيته وهى ماهية متغيرة وفقا لاختيارات الانسان) وهو الامر الذى لا يتوقف عند حد معين والاختيارات الانسانية عملية مستمرة عند سارتر وبذلك يكون الوجود عند سارتر اسبق للماهية , ومن هذا المنطلق فالانسان عند سارتر هو ما يختاره الانسان وما يكون عليه بعد اختياره هذا وليس ما كان عليه الانسان بعد الوجود مباشرة .

ونفس الاتجاه نراه فى رأى الفليسوف ميرلوبونتيه حينما يقول (نوجد أولا في وضعية ما لا نختارها و هي الوضعية التي نرثها لأسباب تتجوز قدراتنا، لكن بعد ذلك لا نظل مكتوفي الأيدي أو سلبيي الإرادة، بل إننا نختار اتجاه أو اتجاهات أخرى غير تلك التلقائية التي وجدنا فيها، وهذا الاختيار انطلاقا من تلك الوضعية الأولية يعبر على أننا أحرارا لا نقبل بالوضعية المعطاة. فالإنسان ليس ميكانيزما ميكانيكيا بسيطا يمكن برمجته، إنه على العكس من ذلك عقدة علاقات)

ويعلق مونيه قائلا (يقاوم الإنسان ضغوطات وعوائق وضرورات تفرضها الحياة , لأنه كائن واعي وقادر على مواجهة وضع ما وتحديه، وفي هذا المواجهة وعبر هذا الجهد المبذول يؤكد الإنسان حريته) وهنا يشير مونيه ان ما يواجه الانسان من مشكلات تفرضها عليه الحتميات السابق الاشارة اليها هو ما يشعر الانسان بفكرة الحرية ويشحذ هممه فى الوصول الى اقصى ما يستطيع الوصول اليه من صيغ الحرية .
********************************************************



فى تدوينة سابقة ( الارادة والتغيير ) تناولت العلاقة الحيوية بين الارادة الحرة والتغيير كأمكانية سياسية , وفى هذا السياق يرى رونوفيى ان ( حرية الارادة هى الاعتقاد بامتلاك القدرة على فعل ما بحيث تكون الافعال الصادرة عن وعى الانسان غير محددة مسبقا بما فى ذلك وضعيته قبل الفعل )
وفى حجة الانتباه يقول ديكارت ( يمكننا ان نعرف حرية الارادة بدون حجج فهى تعرف بدون براهين وعن طريق التجربة التى نتعلمها منها ) وهو بذلك يرى ان الانتباه هو حجة وجود الارادة , فنحن نعيش فى وعينا تجربة حرية الارادة اللامحدودة , فنلجأ فى بعض الاحيان الى رفض القيام بشيىء ما للتأكيد على هذه الحرية .
فى حين يرى ليبنتز ( ان ما يؤكد على وجود هذه الحرية - حرية الارادة - هو ما يمكن تسميته بالاحساس الداخلى الحيوى لحرية الارادة , اى اننا نعيش فكرة الحرية بشكل قسرى او احساس مسيطر .
اما مين دو بيران فيدلل على وجود حرية الارادة من خلال ما يسميه بالجهد العضلى ويضع مثال على ذلك فيقول (أرفع كرسيا إلى الأعلى فأحس بألم في ذراعي ورغم ذلك يمكنني إن أردت الاستمرار في بذل الجهد فأنا لست فقط جسما منقبضا ومتألما ولكنني إرادة متفوقة على الجسم تستمر في بذل الجهد رغم الألم.)
ويرى بوسيهان ما يسمى بالفعل المجانى او الفعل الذى لا سبب له ولا دافع هو الدليل على وجود حرية الارادة (.فلكي نحس بحرية إرادتنا يجب أن نبرهن عليها بفعل نقوم به بدون سبب أو داع أو باعث) كأن تقول مثلا اذا ما يأتى صديقى قبل موعدا ما فسأدخن سيجارة
يرى سبينوزا ان( وهم حرية الإرادة ناتج عن الوعي بفعلنا مقرونا بجهل الأسباب التي تتحكم في وتحدده) اذن هى مسأءلة مرتبطة بالوعى فقط وقدرة هذا الوعى فى استيفاء الاسباب الحتمية كما يقول سبينوزا .
اما كانط فيربط بين حرية الارادة والواجب الاخلاقى ويميز بين الضرورة والواجب الاخلاقى فبين سقوطك فى حفرة وبين امرك لابنك بعدم الكذب فارق كبير . وبذلك فهو يعتبر الحرية شرطا للواجب الاخلاقى .
ويرى صاحب التدوينة ان الحرية لا يمكن تحقيقها بشكل فردى او بمعنى اخر لا يشعر بها الانسان بوجوده فردا وانما تتاكد الحرية فى وتتجلى فى الجماعات وليس الافراد فهى توجد بالتعدد وليس بالمفرد, ومجرد تجريد الفكرة كقولنا , هل الانسان حر ام لا ؟
غير مقبول . فالحرية هى نتاج تحرير الانسان لنفسه اولا من جراء بحثه عن اختيار افضل من متعدد ومتنوع وهى عملية مستمرة لا وقتية .
********************************************************
مدخل أدبى :
قدم الشاعر الامريكى والمسرحى ( إفريت ليروى جونز ) مسرحيتان بعنوان The slave والاخرى Dutchman وهى من اجمل ما قرأت فى حياتى عن واقع الزنوج فى الولايات المتحد الامريكية فى فترة الستينات واحد الامتدادات الادبية لحركة تحرير الزنوج على يد الزعيم الاسود الاشهر مارتن لوثر كينج ., وعلى الرغم ان منهاج( افريت ليروى جونز) او ( اميرى بركة ) يشبه الى حد كبير نهج الزعيم الاسود( مالكوم اكس) من حيث اللجوء للحل العنيف للتعبير الا اننى ارى ان ( كينج ) كان المفتاح او الباب لكثير من الحركات التحررية فى امريكا .
فى مسرحيته Dutchman يجسد بركة شخصية الاسود فى امريكا بشخص يحمل فى جوانب شخصيته الكثير من اسطورة داتشمان الرجل المسافر دوما وتدور الاحداث فى مترو الانفاق للدلالة على عدم الاستقرار والرحلة التى يعيشها الزنجى باستمرار ويجعل بركة الشخصية البيضاء الوحيد فى المسرحية متجسدة فى انثى تحمل عيون شيطان من ناحية الاغواء وتعرف كل ما يدور فى خبايا وجدان الزنجى فى دلالة على سيطرة الشخصية البيضاء على الشخصية السوداء . فى مسرحية The slave يتجسد العمل الثورى والتحررى لشخصية الزنجى حين يبدأ فى التحرر فى كل ما يربط ذاته بواقع يرفضه فتبدأ المسرحية بقتل البطل لاسرته وهو ما يشير الى رفض الزنجى لكل ما يربطه بواقع العبودية المرير .
فى مسرحيتها الشهيرة( approaching simon ) تجسد الرائعة Meg Terye خبرة سيمون ديبوفوار فى التحرر من قيود الظلم الذكورى بصيغة تكاد تكون الاكثر تأثيرا بالنسبة لى على المستوى الشخصى , حيث اعتمدت على تكنيك مسرحى كان يعتبر هو الاحدث وقت عرض المسرحية وهو طريقة snap shots حيث لا تسير الاحدث على منوال معتاد ولكن عبارة عن فقرات من حياة سيمون تتقافز ما بين الطفولة والمراهقة والنضج واستخدمت Meg ولاول مرة الجمهور كعنصر مسرحى . فى المسرحية تتعرض سيمون للضغوط الذكورية من البداية وهو ما تراه امورا حتمية كجنسها كأنثى او قدرتها العضلية مقارنة بأخيها وهو ما يشكل اطار يحد من حرية الارادة عندها وتنتهى المسرحية بتساؤل مفتوح يعلق فى عقل المتلقى وهو هل هذه الحتميات التى لا قبل للمرأة ان تتدخل فيها هى العائق الوحيد امام تحرر المرأة ام ان نظرة المجتمع الذكورى هو العائق الاساسى وبتغيرها يتغير مصير المرأة .
*******************************************************
من خلال هذا المدخل الادبى السابق ارى ان ما يمكن تسميته بعملية التحرر من ناحية سياسية لا يرتبط بالضرورة بوجود احتلال اجنبى على ارض ما . بمعنى ان فكرة التحرر بشموليتها لا يمكن ان تقتتصر على طرد المحتل وانما هى عملية شمولية تبدا بالفرد كنواةلأبسط الجماعات الانسانيةوتنتهى الى الجماعة الاكبر وتحددها علاقة هذا الفرد بالاخر وهو من يكبل حرية الانسان بحتميات اجتماعية او اقتصادية او سياسية . فالتحرر من القيم العفنة يعد قيمة من قيم الحرية وكذلك التحرر من ظلم النخبة ...... الخ .وكى تتم عملية التحرر الى النتيجة الحتمية لها وهى الحرية لا بد من وجود درجة من الوعى بوجود ازمة لدى الانسان اولا . بمعنى لا نستطيع ان نتناول مفهوم التحرر ونطبقه على مجتمع لا يستشعر ما يعانيه من عبودية , ولا يجد ما يستلزم ان يمد ارجله ويتحرك ا ويحرك. الاهم هنا هو ان يشعر الانسان فى سياق جماعته بأزمة ما تقوده الى تغيير وضعيته الحالية للوصول الى وضعية افضل . والتحرر او التحرير هنا لا بد له من عمل مؤسسى يدعمه , والعمل الفردى هنا فى هذه الحالة نرى انه لا طائل له والتاريخ يثبت ان حركات التحرير كلها سارت فى منحى الجماعات وليس الافراد .

هناك تعليقان (2):

Crazy Sky يقول...

الصديق العزيز \ وحيد جهنم
مجهود اكثر من رائع في البحث عن مفهوم مثل الذي تناولته والذي وللاسف الشديد لا يفكر فيه الكثيرين من ابناء شعبنا الذي تعود على الذل والعبودية وهنا تكمن مشكلته حيث عدم الشعور بوجود أزمة كما ذكرت .
لا أخفيك سرا انى ترددت كثيرا قبل ان أرد على تدوينتك , فالموضوع ليس هينا ان ترد على تدوينة اشبه ببحث اكاديمي لذلك فسوف اعلق في نقاط حتى لا تتبعثر افكاري
1ـ أعجبنى رأى مونيه بأن الانسان لن يشعر بحريته الا عنما يواجه التحديات ومن هنا نصل الى انه ليس هناك وقت محدد يقول الانسان فيه انه حر حيث انه بعد تخطى عقبة او مواجهة تحدى لا يلبث ان يواجه تحدٍِ جديد ومن خلال الجهد المبذول يشعر الانسان بحريته وبالطبع فان تلك التحديات مستمرة وبالتالى فان الشعور بالحرية شعور مستمر وليس مؤقتاَََ .
2ـ أحبتطنى جملتك الاخيرة عنما قلت " . والتحرر او التحرير هنا لا بد له من عمل مؤسسى يدعمه , والعمل الفردى هنا فى هذه الحالة نرى انه لا طائل له والتاريخ يثبت ان حركات التحرير كلها سارت فى منحى الجماعات وليس الافراد "
هل معنى هذا عدم محاولة الافراد مثلنا وانه لابد من انتظار وجود مؤسسة , أرجو التوضيح .
3ـ أرجو ان لا تكتفي بذلك المقال في التحدث عن الحرية وان تبدأ في مناقشة امور بعينها مثل : حرية التعبير ـ حرية التفكير " خصوصا فيما يتعلق بالنصوص الدينية" ـ حرية المرأة وتحريرها من الافكار المتعفنة في ظل مجتمع ذكورى ...الخ
4ـ أحب عيشة الحرية زي الطيور بين الأغصان

ما دام حبايبي حواليه كل البلاد عندي اوطان

مطرح ما بيجي في عيني النوم انام وانا مرتاح
البال

واغير الحال يوم عن يوم ما دام اشوف قلبي ميال

بحب عيشة الحرية

تحياتي

ِوحيد جهنم يقول...

مرة اخرى تخجلنى عباراتك يا سما
وللايضاح يا عزيزى بالنسبة للنقطة التى اثرتها فأنا ارى ان عملية التحرر ليست ذاتية الا فى نطاقها المحدود اما التحرر السياسى وهو ما قصدته فى هذه النقطة بالذات لا يمكن ان يتحقق الا من خلال الجماعة البشرية
على العموم سيكون موضوع التدوينة القادمة عن دونية المختلف وتعاطى الاسوياء للاختلافه بدرجات مختلفة وهو ماكان محور قصة كتبتها فى هذه المدونة وانا اعلم انها لا ترقى لمستوى ولكنها على الاقل تثير موضوعا مدفونا .