الجمعة، 22 أغسطس 2008

التعليم فى مصر وتصنيفاته - دراسة الجزء الاول

التعليم فى مصر له تصنيفات كثيرة جدا على عكس ماقد يتوقعه الكثيرون. فالناظر بدقة فى هذا الشأن يرى العجب العجاب ,و ما بين الطبقية المفرطة فى التعليم العا م- احدى هذه التصنيفات- وبين الثيوقراطية والعلمانية فى شقى التعليم المصرى ازهرى وعام - تصنيف اخر - وبين التغريب والتعريب - التصنيف الاخير - تلمح مظاهر تتسم بالعبثية تارة وبالتنظيم تارة اخرى .

فى هذا المقال سأحاو ل ان اعرض مظاهر كل نوع من هذه الانواع مقارنة بما يناظره من نوع منافس . وسأحاول ان اعرض الجوانب السلبية فى مكونات كل نوع واثرها على المتلقى ( الطالب) ثم اثرها على الحيز الاوسع والاشمل وهو المجتمع .









لنبدأ بالتصنيف الاول الذى ذكرناه فى المقدمة وهو التعليم مابين الخاص والعام والذى يبرز من وجهة نظرى البسيطة حدود ما كان يسمى بالطبقة الوسطى فى الماضى القريب , لعل التعليم الخاص هو الحد الفاصل الوحيد الذى تشهده العقول الان بين الطبقة الوسطى المحتضرة وبين الطبقة الدنيا .
فى اوائل الثمانينات كانت بداية موجة انشاء المدارس الخاصة فى القاهرة , وكان التحاق الطالب بمثل هذه المدارس حين ذاك مرتبط بالناحية الاقتصادية ولم يكن الامر ذو انتشار اخطبوطى مثل الان حيث كان التعليم العام هو السائد فى ذاك الوقت , بل كان الامر يندرج تحت بند الرفاهية الغير محبذة من قبل العامة , وكان الطالب فى هذه المدراس ينتمى الى اسر على وشك الصعود الى الطبقة العليا , ومقارنة بالمصروفات التى كان طالب المدارس العامة يدفعها سنويا كانت المصرفات التى تدفع فى المدارس الخاصة اعلى مما تتحمله معظم اسر الطبقة الوسطى فى ذاك الوقت , كما ان الدافع فى الحاق الابناء بمدارس خاصة لم يكن قويا فى وجود المدارس العامة وتقارب ما تقدمه من سلعة تعليمية مثلما يقدم فى المدارس الخاصة . تطور الامر بسرعة كبيرة بعد منتصف الثمانينات واندفع الكثيرون من اصحاب الاموال والاعمال وكل من ليس له علاقة بالشأن التعليمى فى مصر فى انشاء المدارس الخاصة وكان السبب الاساسى فى هذه الامر هو تردى حال المدارس العامة من حيث نوعية التعليم وتوافر الكوادر المؤهلة للقيام بها وتزايد خطير فى كثافة الفصول وصل الى حد تواجد مايزيد عن 70 طالب فى فصل واحد , مما جعل امر التفوق من خلال المدارس العامة امرا شديد الصعوبة , وهو الامر الذى تبحث عنه اسر الطبقة الوسطى - اقصد التفوق الدراسى - وكأنه طوق نجاه من اجل احداث حراك اجتماعى لها فى وقت اصبحت فيه هذه العملية اشد صعوبة من اى شيىء اخر .
وسريعا ايضا كانت فترة التسعينات ومن بعدها فترة الالفين فترة سيادة للتعليم الخاص فى مصر , وكانت الاسباب متشابهه كما فى فترة الثمانينات وان كانت الاسباب اشد قوة , فالتعليم العام ازداد تدهورا وترديا عن ذى قبل واصبحت العملية التعليمية تنحصر فى ظاهرة الدروس الخصوصية وما يستلزمها من تلقين واستظهار وتفريغ لمحتوى من المناهج وهو ما سنأتى على ذكره تباعا فى المقال , وادى ايضا الى اتجاه الطبقة الوسطى الى التعليم الخاص فى مصر تدنى وضئالة المصروفات المطلوبة منهم للالتحاق بهذه المدراس فلا يتعدى الامر اكثر من 1500 جنية مصرى سنويا فى اغلب المدراس الخاصة الشعبية او يقل فى بعض الاحيان - وان كانت قد حدثت زيادة كبيرة فى المصرفات بلغت 30% فى عام 2008 /2009 بسبب زيادة اسعار الوقود والزام المدراس الخاصة بدفع ضرائب تصل الى 20 % من صافى الربح السنوى وهو الامر الذى كانت تعفى منه المدراس الخاصة من قبل وكان يعد حافز لرجال الاعمال فى انشاء هذه المدارس -ووصل الامر ان اصبح التعليم الخاص فى مصر هو السائد والمسيطر بشكل فعلى فى المرحلتين الابتدائية والاعدادية اما المرحلة الثانوية فكان هناك تحفظ من قبل رجال الاعمال فى خوض تجربة التعليم الثانوى بكل مافيه من مخاطر كونه محط انظار المجتمع كله والحكومة بشكل خاص وهو الامر الغير مستحب لرأس المال .
اواخر التسعينات ومع تزايد الحاجة الى نوعية افضل من المدارس نشأت مدراس خاصة تخاطب الاسر ذات الدخل العالى والتى لا تنتمى بأى حال للطبقة الوسطى , ولعل ظهور هذه المدارس كان محدود فى الماضى لانها كان تخاطب أ بناءالساسة والمسئولين , الا ان تباين الفروق بين الطبقة العليا فى اواخر التسعينات والطبقة الوسطى ومع الزيادة السكانية زاد انشاء هذه المدارس , وتبلغ مصاريف بعض هذه المدارس اكثر من 15000 جنية مصرى سنويا غير ما يتبع العملية التعليمية من كتب وملابس ومصاريف نقل ...الخ ,وفى هذا المقال سنفرق بين ما المدارس الخاصة الشعبية والتى تخاطب اسر الطبقة الوسطى وبين المدراس الخاصة التى تخاطب اسر الطبقة العليا من المجتمع المصرى ثم سنضع النموذجين فى وجه المقارنة مع التعليم فى المدراس العامة الحكومية وسنتجاهل متعمدين التعليم فى المدراس التجريبية الحكومية لقلة انتشارها وتأثيرها وسيكون حديثنا عن الوضع الانى .


المدراس الخاصة الشعبية من سماتها قلة المساحة المخصصة للانشطة , وكثرة الفصول والابنية , لا يخرج الامر فى المدراس الخاصة الشعبية عن وجود ملعب صغير يستوعب بالكاد تواجد الطلاب فى الطابور الصباحى وتقسم الفسحة على مراحل على حسب المراحل التعليمية , لا تستغل معامل العلوم او الكومبيوتر او الوسائط المتعددة باى درجة فالعملية التعليمية تجرى داخل الفصول بالدرجة الاولى وليس خارجها , وعلى الرغم من وجود معامل الا ان الامر لا يخرج عن النطاق الشكلى الذى يستغل ايما استغلال فى عملية الدعاية لهذه المدارس, اما المدرس فى هذه المدراس فهو افضل حالا من مدرس التعليم العام حيث ان اغلب هذه المدارس تخضع مدرسيها الجدد لدورات تأهيلية تساعده على منح الطالب سلعة تعليمية معقولة نسبيا مقارنة بما يوجد فى المدراس العامة كما سيأتى ذكره , وان كان الامر ينصب على تلقين التلميذ وتأهيله لاجتياز الامتحان , اى ان العملية التعلمية تسير نحو الحفظ والاستظهار والحصول على اعلى الدرجات فقط دون وجود واقع فعلى لمخرجاتها , وغالبا ما يحاسب المدرس عن نتائجه نهاية العام الدراسى وعليه يتحدد استمراريته فى العمل ام لا , وهو الامر الذى يجعل مهمة المدرس الرئيسية تنحصر فى تلقين الطالب ما يجعله يحصل على درجات مرتفعة ان لم تكن نهائية خصوصا فى ظل زجزد نظام تقييم يخاطب مهارة التذكر فقط ولا يخاطب قدرة الطالب الاستيعابية او التحليلية فى طرح حلول لمشكلات مرتبطة بالواقع , ولعل الامر ايضا مرتبطا بأنفصال المنهج عن الواقع فالمعلومة تطرح فى المنهج مجردة خالية من جوانبها الواقعية التى تعطيها جانب حياتى لاغنى عنه , ولكى اوضح هذه النقطة اضرب لكم مثالين : من المفترض ان طالب السنة الرابعة الابتدائية يتعلم الاتجاهات الاصلية والثانوية فى مادة الدراسات الاجتماعية وعن طريق هذا الدرس من المفترض ان يتأهل الطالب فيستطيع ان يقرأ الخريطة وحده دون مساعدة فيصل الى مكان ما بأستخدام الخريطة , وهو ما لا يحدث بأى شكل من الاشكال , المثال الثانى : طالب اللغة الانجليزية يتلقى المئات من الحوارت الثنائية طيلة عمره الدراسى ومع ذلك لا يستطيع ان يدير حوار مع شخص اجنبى يلقاه مصادفة فى الطريق ذلك لانه لم يمارس المحتوى التعليمى فى حيز الواقع بشكل فعلى . والمدرس فى المدراس الخاصة الشعبية فى اغلب الاحيان مدرس سلطوى و يعتبر نفسه نصف اله , لايقبل نقاش مع تلميذه بأى حال من الاحوال ولذلك تجد ان العملية التعلمية احادية الاتجاه تسير من المدرس الى المتلقى دون تبادل للاراء ودون تفاعل حقيقى بين طرفى التعلم , وقد يمارس البعض منهم طقوسا شاذة على طلابه كالقهر والاذلال والضرب فى احيان كثيرة اسباب ذلك متعددة منها اجبار التلاميذ على الدروس الخصوصية لتدنى الاجور فى هذه المدراس - يصل راتب المدرس المستجد فى هذه المدراس الى 250 جنية مصرى - او لاجبار الطلاب على حفظ واستظهار المعلومة من اجل تحقيق نتيجة ترضى ادراة المدرسة ومن ثم ترضى ولى الامر .
النتاج الاساسى والمحصلة الرئيسية من هذا النوع هو تفريخ جيل من اشباه المتعلمين خالى من اى مقوم من مقومات الشخصية الرشيدة , طالب المدراس الخاصة الشعبية يخرج منها بشخصية العبد يؤمر فيطيع , غير قادر على طرح حل ابداعى لما يواجهه من مشكلات فى الحياة لانه بمنتهى البساطة لم يتدرب على مواجهة مثل هذه المشكلات , وهو طالب يركز على المعلوماتية بشكل خاص بما يصاحبها من تجريد للمعلومة والنظر لها بشكل منفصل غير مرتبط او شامل لغيرها من المعلومات فدمج المعلومة التى يتلقاها من مادة الرياضيات مع المعلومة التى يتلقاها فى مادة العلوم او الجغرافيا شيىء بعيد المنال على عقله , وهو طالب مقود وليس بقائد غير قادر على اتخاذ قرار بشكل مستقل دون وصاية خارجية , وغالبا غير متزن نفسيا من جراء الممارسات الاقصائية التى مورست عليه فى المدرسة ومن قبل مدرسين سلطويين ولن ابالغ ان قلت مرضى نفسيين

اما بالنسبة للمدراس التى تخاطب الطبقة العليا والتى سنستعيض عن هذا الاسم باسم االمدارس الراقية فالامر على النقيض تماما مما يجرى فى المدراس الخاصة الشعبية.
المدرسة الراقية من سماتها المساحة الكبيرة , فيوجد بها ملاعب لمختلف الانشطة الرياضية ومعامل مجهزة تجهيز كامل وفصول متسعة لا يتعدى عدد طلابها الثلاثين بأى حال من الاحوال , والمدرسة تحتوى على مكان خاص للمدرسين على خلاف المدارس الخاصة الشعبية , وعلى النقيض تماما من المدراس الخاصة الشعبية فالمدرس هنا يتخلى عن اى سلطة امام تلاميذه بل لن نبالغ ان قلنا ان سلطة الطالب اقوى بكثير من سلطة المدرس ,ذلك ان الطالب فى هذه المدارس يتعامل بحيثية ولى امره وكثيرا جدا ما يكون استمرارية عمل المدرس فى المدرسة مرتبطا برضى التلميذ عنه , ويكفى فقط ان ينقم الطالب على معلمه او ان يغضب منه كى يذهب بلا رجعة من مكان عمله , وعليه فالمدرس لا يمارس اى سلطة على الطالب وغير مسموح له تحت اى ظرف بمعاقبة الطالب ولو حتى لفظا , والتركيز على الدرجة النهائية او حتى المرتفعة غير مطلوب , فقط كل المطلوب هو ان يقضى الطالب وقته بلا منغصات او قلق, والطالب هو الاقوى كما ذكرنا من قبل ولعل الحادثة المشهورة من عامين والتى حدثت فى احدى هذه المدارس خير دليل على انعدام شخصية المدرس واذلاله خير دليل على ذلك فالذى حدث ان مدرسا كان يرتدى بنطال بدلة رياضية واثناء اعطاءه ظهره للطلاب قام احدهم بشد بنطاله لاسفل بسرعة وعلى نحو مفاجىء فى الوقت الذى كان يصوره اخر بتليفونه المحمول فما كان من المدرس المسكين الا ان جرى خلف الطالب وكانت النتيجة ان فصل المدرس عن عمله ليس لان ماجرى قد جرى فى المدرسة ولكن لانه جرى وراء الطالب , وهناك حوادث كثيرة جدا لا يسعنا ذكرها حدثت وتحدث فى فصول البنات فى هذه المدارس , منها ان ارادت فتاة ان تتسبب فى فصل مدرسها لانه كما ادعت لى حين كلمتها فى هذا الامر ( مدرس كشر ) فقامت بحل زرارين من قميصها واندفعت فى احضان المدرس امام زملائها ثم بكت وادعت انه كان يريد تقبليها , الكثير من المهازل تجرى فى هذه المدراس لغياب وسيلة رادعة للعقاب ولا اتحدث عن العقاب البدنى بالطبع ولكن ما اريد ان اقوله ان كون الطالب يتعامل بحيثية والده رجل الاعمال او المسئول الكبير فى نظام تعليمى لا يتبنى اى وسيلة عقابية يجعل العملية التعليمية تجسيدا صارخا لمستويات البلطجة التى تتأصل فى وجدان طالب المدراس الراقية .
والمحصلة الرئيسية من هذه النوعية من التعليم هى تفريخ جيل ينظر نظرة دونية للاخرين , يحتقر اى سلطة من اى نوع , صعب السيطرة عليه او حتى اقناعه بوجهة نظر اخرى تخالفه , جيل مارس البلطجة من صغره وسيجيد ممارستها حينما يخرج للحياة, جيل يعلم ان حدود الورقة المالية حدود غير نهائية , جيل اتكالى على اولياء اموره . اما عن المستوى التعليمى لهذه الفئة من الطلاب فحدث ولا حرج , اذ ان الامر لايعدو اكثر من شهادة رسمية يأخدها الطالب من مدرسته وهو يعلم تمام العلم ان حصوله عليها منوط بقدرة اهله المادية وليس على اجتهاده .

فى الجزء القادم سنناقش ما يتم فى مدارس الدولة ومكونات التعليم بها .

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

البقاء لله , هذه تعزية واجبة لأم الدنيا مصر بعد قراءة مقالك االرائع عن واقع التعليم في مصر , ولست في حاجة لانتظار ما ستكتبه عن التعليم الحكومي , إذا كان اللي بفلوس بيخرج جيل وشباب "متخربأ"أى لا يعي شيئا وليس في عقله ما يعادل جناح بعوضة فما بالنا باللي من غير .
أعتقد أن ما تريد توصيله قد وصل ألا وهو أنه لا مستقبل لمصر " ولأى دولة" في ظل نظام تعليمي مثل هذا ولكن السؤال البديهي ما هو الحل ؟ أعلم أن الموضوع متشابك ومتداخل ... حكومة وشعب ورجال أعمال ومعلمين وقائمين على التعليم الخ ولكني أقصد من أين نبدأ

ِوحيد جهنم يقول...

فى الدراسة الغير مكتملة حتى الان موضوع البوست يا عزيزى انا اعرض المساوىء فقط اما بالنسبة للحلول اعتقد ان موضوعه سيطول
تحياتى لك