الأحد، 3 أغسطس 2008

رواية - الجزء الثالث-

ربما هو سعيد بهذه النتيجة التى وصل اليها مع هناء زوجته, ولعل السبب فى هذا ان اول نموذج للمرأة كانت امه, وامه كانت مرجع دائم لكل تصرفاته فحسن كان لايجرؤ فى لحظة من اللحظات ان يخطو خطوة دون مباركة من امه او استشارة او حتى مناجاة . والى الان وحتى بعد وفاتها ظل طيف امه واقف فى مخيلته ثابت كتمثال ابى الهول . حسن لم يكن من اولئك الناس القادرين على مواجهة شخصيات كاريزمية كأمه . يتذكر نظراتها الحادة وصوتها الجهورى المقنع ايا كانت القضية ودائما ما كانت لديه قناعة ان الحكومة لو استغلت امكانيات امه الجبارة فى قضية الشرق الاوسط لنعم الناس بالسلام ولحلت القضية منذ امد بعيد , ولكن الحكومة كالعادة عمياء عن قدرات ابنائها. حينما عرضت عليه ان يتزوج هناء كان عرضها غريبا
( ان لك ان تتزوج وهناء بنت خالتك ام شوقى هى الانسب لك )
هكذا قالتها بصورة تقريرية لا تقبل الجدال , وعندما حاول حسنان يجادل اخرسته نظرة قصيرة من عيني امه , فى اليوم التالى رأى هناء واتفقت امه على شتى التفاصيل وقامت بالواجب ويزيد , كل تكاليف الزواج قامت به امه من الالف الى الياء , حتى ملابس هناء الداخلية كانت لامه اليد العليا فى نوعيتها واثمانها , والحق يقال ان امه كانت تنفق ببذخ فى زواجه وكانت دائما تقول له
" للمال سحر, ان روضته, نلت حظك من الدنيا "
لا يتذكر حسن متى ابتسمت امه قبل زواجه الا انه ولاول مرة يراه تبتسم فى زفافه كم اسعده ذلك , الا ان سرعان ما ذهب تأثير زفافه عن امه وعادت هذه النظرة المتحدية على وجهها وكأن المرأة فى ساحة القتال . حين ماتت ام حسن لم يبكى على فراقهاوحين وارها التراب لم ينفعل او تهتز شعره واحدة فى ظهره , واستعجب من من يبكى على المرأة وهم الذين عانو الامرين من سطوتها ونفوذها . ولاول مرة فى حياته يشعر حسن انه قادر على التصرف بأرادة حرة وان يأتى افعال دون مجابهة لولية امره ووخلق التبريرات الحمقاء لتفادى غضبها عليه. اصبح ثريا الان , الت له تركة امه الثرية وحده بلا منازع وعائدات الاملاك والعقارات والاطيان تأتيه طواعية كل شهر ينفق كيف يشاء ووقتما يشاء , لا ينتظر الشهرية المعتادة من امه ولا يحفل بمطالبة احد بمال امه . ولعلك تعجب ان حسن حتى وحينما امتللك هذه الثروة الكبيرة لم يشتر سيارة او منزلا اخر او حتى ينفق على وسائل الموصلات الخاصة ما يطيب له , ان حسن ظل يحيا حياته قبل وفاة امه وكأن امه مازالت تحيا بجواره, وكأنه مايزال يسمع صوتها يرن فى اذنيه ان لا تفعل هذا وان افعل ذاك . امه على ثراءها الفاحش كانت ترفض ان يشترلنفسه سيارة او ان يأخد تاكسيا فى ذهابه الى العمل وكانت دائما ما تقول له
( ان كان الناس يذهبوا الى عملهم بالاتوبيس فلم تذهب انت بتاكسى )

لم يكن يوما مؤمنا . كان يرى الناس يصلون فى المسجد القريب من بيته ويشعر بحنين شديد للصلاة , يريد ان يبكى الفتى ولكن حتى الدمعات تأبى ان تطعيه , فى رمضان يكثر البكاء فى المسجد فى صلاة التروايح, وفى يوم لا يتذكره اراد ان يذهب ويبكى , ذهب مبكرا الى المسجد غير متوضىء , دخل الميضه متوجس خيفة , لاول مرة يرى مكان كهذا , قابلته رائحة كريهة من الكنيف , جاهد ان يقف معتدلا على البلاط المبتل الزلق , تشبثت يداه بالصنبور وارتكز على عكازه كى يصعد الدرج العالى كى يتوضأ , اخير تسلق الملعون , ماذا يردد الناس عند الوضوء ؟ لا يدرى ........... غسل وجهه وذراعيه وراسه واتى دور رجله . كيف ؟. لا يدرى .......... مال بجسده اخذا رجله اليمنى , لماذا يجب ان يبدأ برجله اليمنى ؟ لا يدرى ........... لم يستطع ان يرفعها , اخذ ينثر الماء عليها بيده المرتجفتان , هل ابتلتا؟ لا يدرى ................ رجله اليسرى افضل حالا نجح فى لمسها بالماء , ان الاوان ان يهبط الهرم , لمح بطرف عينيه رجلا , لعله المسئول عن المسجد , ها سينزلق على البلاط الاشبه بالصابون , سقط ..... اه كم تؤلمه ركبتيه , كيف سينهض من رقدته ؟ لا يدرى .......... الرجل اتى يعجل اليه , مد له يدا , نظر اليه ........ مال بجسده المبتل اخذا يده , عصرها الرجل بقوة وجذبه لاعلى , اه ......... كم تؤلمه الان ذراعه, نهض اخيرا والرجل يردد عبارات لا يفقهها حسن , شكره ودخل المسجد , هل نقض سقوطه على الارضية القذرة وضوئه ؟ لا يدرى ............ نظر فى ساحة المسجد اناس قليلين , ارقد عكازه على عمود وجلس فى الارض ينتظر , كيف سيصلى ؟ لا يدرى ............. نظر خلفه ووجد كراسى بدأت تحتل , اراد ان ينهض , اللعنة لماذا كلما اراد ان يفعل شيئا يواجه مشقة حتى ان كان بسيطا , يقترب من الكرسى ,
" هذا كرسى الشيخ احمد "
اقترب من كرسى اخر
" هذا كرسى الشيخ محمد "
اقترب من كرسى اخر
" هذا كرسى الشيخ طه
" نظر "حوله , البقية شغلت , فليكن سيقف فى الصف , عاد مكانه وانتظر , اذان الاقامة , نهض فى معاناته المعتادة , تقدم فى الصف الاول , سمع ان فضل الصف الاول كبيرا , لقد جاء مبكرا ومن حقه الصف الاول , وقف منتظرا , نظر الامام الى الصف , يساو الرجل الصف وينظمه . عند حسن الخلل, قدمه اليمنى لا تلتصق بقدم من بيمينه , وكتفه اليسرى تميل على من بيساره , الخلل عند حسن , نظر الامام له " ارجع واجلس على كرسى "
" لا اجد كرسيا لى "
" لا تصلح الصلاة بصف مائل "
" ارجع واجلس على الارض "
رجع حسن ولكنه لم يجلس على الارض بل خرج من المسجد والرجل يردد الفاتحة , كم يجد الفاتحة غريبة على مسامعه هذه المرة .
حين خرج حسن من المسجد نظر الى المئذنة العالية , ياه كم طويلة , وحين نظرها وجدها تشتعل نورا , وتلألأ النور على دمعة فرت من عينيه على استحياء .

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

بكل المقاييس من وجهة نظرى , هذا الجزء من أهم اجزاء الرواية في وصف وتحليل شخصية حسن وفى وصف شعوره بالعجزمن جانب وتأثير شخصية الاممن جانب اخر , ولكن لم افهم معنى انه لم يكن مؤمنا وفي نفس الوقت لديه حنين للصلاة .
هل سبب عدم ايمانه هو اعتراضه على ما كتبه القدر له وانه قد ظُلم لانه خلق بهذه الحالة , كما انى لم اقرأ حتى الان سبب هذه الحالة , هل هى حادثة ام ماذا ؟

ِوحيد جهنم يقول...

موضوع الايمان عند حسن لا يأخذ من ناحية دينية , حسن لم يكن مؤمنا لانه افتقر الى الاحساس بالعدل الالهى ولعل هذا هو السبب المنطقى فى عدم توازنه واختلافه الوجودى عن الاخرين اما حنينه الى الصلاة كما تقول فهو لم يكن حنينا الى الصلاة بمعناها الدينى ولكن كان حنينا الى البكاء , والبكاء ازمة عند المعاق بصفة خاصة والمختلف بصفة عامة اذ انه دليل قطعى على ادراكه لواقعه الذى طالما يسعى الى الهرب منه ,اذا الامر عند حسن لا يعدو عن رغبة فى اظهار الضعف والبكاء , اما بالنسبة للاعاقة نفسها فلو تم تخصيص نوع او سبب للاعاقة اعتقد انها ستفقد جانبها الوجودى وعموم التجربة , وكما قلت من قبل حسن ليس مجرد معاق ولكن مختلف او بالانجليزية outcast
مشكور عزيزى سما على مرورك ونقدك الحساس للرواية